وأقمت في ضيافة سلطان اليمن أيّاما ، وأحسن إليّ وأركبني ، وانصرفت مسافرا إلى مدينة صنعاء (٣٩) ، وهي قاعدة بلاد اليمن الأولى ، مدينة كبيرة حسنة العمارة بناؤها بالأجرّ والجصّ ، كثيرة الأشجار والفواكه والزرع معتدلة الهواء طيّبة الماء ، ومن الغريب أن المطر ببلاد الهند واليمن والحبشة إنّما ينزل في أيام القيظ ، وأكثر ما يكون نزوله بعد الظهر (٤٠) من كلّ يوم في ذلك الأوان، فالمسافرون يستعجلون عند الزوال لئلّا يصيبهم المطر ، وأهل المدينة ينصرفون إلى منازلهم لأن امطارها وابلة متدفّقة.
ومدينة صنعاء مفروشة كلّها فإذا نزل المطر غسل جميع أزقّتها وأنقاها وجامع صنعاء من أحسن الجوامع ، وفيه قبر نبيّ من الأنبياء عليهمالسلام.
ثمّ سافرت منها إلى مدينة عدن (٤١) مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الاعظم ، والجبال تحفّ بها ولا مدخل اليها الّا من جانب واحد ، وهي مدينة كبيرة ولا زرع بها ولا شجر ولا ماء ، وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيّام المطر (٤٢) والماء على بعد منها فربّما منعته العرب وحالوا بين أهل المدينة وبينه حتّى يصانعوهم بالمال والثياب ، وهي شديدة الحرّ ،
__________________
(٣٩) تقع صنعاء على بعد ١١٣ ميلا شمال تعز على خط مباشر والتوجه إليها من تعز والعودة إلى عدن يستغرق مسافة هامة ، هذا وقد كتب الناس كثيرا عن صنعاء العاصمة ، وقد كان فيمن تحدث عنها ناصر خسرو (٤٤٤ ١٠٥٢) في مذكراته ، سفرنامه (ص ١٤٢) قائلا : ان بها قصر غمدان الذي بقي منه ما يشبه التل في وسط صنعاء ... وان بها يصنعون العقيق : حجارة تقطع من الجبل وتشوى على النار في بواتق محاطة بالرمل ثم تعرض لحرارة الشمس وبعد هذا يصقلها الحوّاكون ... ويذكر ابن المجاور (ص ١٨١) أن القصر بقي إلى أيام خلافة عمر بن الخطاب الذي أمر بهدمه ... وأن بدر الدين حسن بن علي بن رسول بني في موضعه قصرا عظيم الهيكل سنة ٦١٨ ...
(٤٠) نفس المعلومات التي قدمها الينا ابن المجاور في كتابه" تاريخ المستبصر" : يهب عند كل عصر هواء بارد ... وبعده تكلل الأفق بالغمام وينزل الغيث ساعة زمانية ثم يصحو ص ١٥٩.
(٤١) تقع عدن على بعد نحو ٨٥ ميلا جنوب شرقي تعز ... وقد تحدث ابن المجاور ص ١٥٥ عن محطات الطريق بتفصيل من" الجوة الى عدن والى تعز" ميناء هام عند مضيق باب المندب ... محاطة بالجبال من ثلاث جهات : جبل شمسان من الغرب والشمال وجبل صيرة من الجنوب الغربي ... لها تجارة واسعة مع بلاد الهند ومصر وخاصة في التوابل والبهارات فهي فعلا ملتقى التجار
G. Wiet. Les marchands d\'epices sous les sultans mamlouks, in Cahiers d\'Ilistoires egyptienne, Cairo ٥٥٩١, VII / ٢. ١٨ ـ ٧٤١.
(٤٢) لقد تركت تقاليد بناء السدود ومخازن الماء المعروفة في اليمن منذ عهد سبأ ، آثارها في منطقة عدن ، وقد زرت صهاريج عدن صباح ١٤ شتنبر ١٩٩٢ حيث قرأت نقشا فيه ما ياتي : ١٨٩٩ / ٢ ـ ٢٠ (Playfaire Tank) ، وقد ذكر بلايفير هذا في تقريره عن صهاريج عدن أن البعثة الفرنسية التي زارت المدينة عام ١٧٠٨ وجدت الصهريج يستعمل من قبل الأهالي ... ـ ابن المجاور : صفةبلاد اليمن ... تصحيح أوسكار لوفگرين : O.Lofgren طبعة ثانية ١٤٠٧ ـ ١٩٨٦ منشورات المدينة ، واغتنم هذه الفرصة لأشكر زميلي الأستاذ الدكتور حسين عبد الله العمري سفير الجمهورية اليمنية في لندن على مساعدته الثمينة.O.Lofgren ADANENCY de Islam ـ حسن صالح شهاب : عدن فرضة اليمن ، مركز الدراسات والبحوث اليمني ، صنعاء ١٤١٠ ١٩٩٠ ، ص ١٩٦ ، تعليق ١٢. محيرز : صهاريج عدن ...