خرج إلى استقبالي ومعه القاضي والطلبة وأخرج الطعام فلما سلّمنا عليه نزلنا بموضع أكلنا فيه ، ووصلنا إلى المدينة ونزلنا بخارجها بمقربة من رابطة هنالك تنسب للخضر وإلياس عليهماالسلام ، وخرج شيخ من أهل أزاق يسمى برجب النّهر ملكي ، نسبة إلى قرية بالعراق (٢١) ، فأضافنا بزاوية له ضيافة حسنة ، وبعد يومين من قدومنا قدم الأمير تلكتمور وخرج الأمير محمد للقائه ومعه القاضي والطلبة ، وأعدّوا له الضيافات ، وضربوا ثلاث قباب متّصلا بعضها ببعض إحداها من الحرير الملوّن عجيبة ، والثنتان من الكتّان ، وأداروا عليها سرّاجة ، وهي المسمّى عندنا أفراج (٢٢) ، وخارجها الدّهليز ، وهو على هيئة البرج عندنا.
ولمّا نزل الأمير بسطت بين يديه شقا الحرير يمشي عليها ، فكان من مكارمه وفضله أن قدّمني أمامه ليرى ذلك الأمير منزلتي عنده ثم وصلنا إلى الخباء الأولى وهي المعدّة لجلوسه ، وفي صدرها كرسي من الخشب لجلوسه كبير مرصّع وعليه مرتبة حسنة فقدّمني الأمير أمامه ، وقدم الشّيخ مظفّر الدين ، وصعد هو فجلس فيما بيننا ونحن جميعا على المرتبة ، وجلس قاضيه وخطيبه وقاضي هذه المدينة وطلبتها عن يسار الكرسي على فرش فاخرة ، ووقف ولدا الأمير تلكتمور وأخوه والأمير محمد وأولاده في الخدمة ، ثم أتوا بالأطعمة من لحوم الخيل وسواها وأتوا بألبان الخيل، ثم بالبوزة ، وبعد الفراغ من الطعام قرأ القرّاء بالأصوات الحسان ، ثم نصب منبر وصعده الواعظ ، وجلس القرّاء بين يديه وخطب خطبة بليغة ودعا للسلطان وللأمير وللحاضرين ، ويقول ذلك بالعربيّ ثم يفسّره لهم بالتركيّ ، وفي أثناء ذلك يكرّر القراء آيات من القرآن بترجيع عجيب ، ثم أخذوا في الغناء يغنّون بالعربيّ ،
__________________
(٢١) يقع هذا النهر على بعد ٢٠ ميلا جنوب بغداد على القناة الملكية القديمة من الفلّوجة إلى دجلة ...
(٢٢) أفراك بالكاف وزن بربري وقد رسمت في المخطوطات جيما أفراج وقافا : أفراق ، ومن القواعد السائرة : " كلّ ما يگمگم يجمجم أو يقمقم" ومعنى الكلمة بالبربرية : السّياج يتخذ من السّدر ونحوه ، ثم أطلق على السياج المحيط بالخيام التي تنصب لاستراحة الملك وحاشيته اثناء ترحاله ، والواقع أن أفراگ يعني مدينة متنقلة بكامل مرافقها وأجهزتها صنعت من شقاق الكتان الأبيض والملوّن ، تحتوي على عدد من القباب والخيام وقاعات الاستقبال على مختلف الأحجام كما تحتوي على المسجد والمدرسة ، كلّ له مكانه ومأواه وقد زينت الطرق والأبواب والأركان والشرفات بأنواع الزينة ، وقد خصّص ابن الحاج النّميري فصلا من خمس صفحات لوصف هذه (المعلمة) الحضارية الكبرى التي ما نزال نشاهدها عند التحركات الملكية لجهة ما من الجهات ... هذا ويبدوا أن كلمة (سراجه) هنا فارسية الأصل ـ SE) (RATCHEH ونشير كذلك إلى أن الدّهليز : يعني الممر بين باب الدّار ووسطها ـ يلاحظ الحديث عن بسط الشقاق أو الزرابي لمرور الشخصيات السامية عليها ...
. فيض العباب لابن الحاج ، دراسة : د. محمد بن شقرون دار الغرب الاسلامي ١٩٩٠ ص ٢٢٨ / ٢٣٢.