ثم سافرنا من سيراف إلى مدينة البحرين (١٤٢) وهي مدينة كبيرة حسنة ذات بساتين وأشجار وأنهار ، وماؤها قريب المؤنة يحفر عليه بالأيدي فيوجد (١٤٣) ، وبها حدائق النخل والرمّان والأترج ويزرع بها القطن ، وهي شديدة الحرّ كثيرة الرمال ، وربّما غلب الرمل على بعض منازلها وكان فيما بينها وبين عمان طريق استولت عليه الرمال وانقطع فلا يوصل من عمان اليها الّا في البحر.
وبالقرب منها جبلان عظيمان ، يسمى أحدهما بكسير ، وهو في غربيّها ويسمى الآخر بعوير وهو في شرقيّها وبهما ضرب المثل فقيل : كسير وعوير ، وكلّ غير خير (١٤٤) ،
ثم سافرنا إلى مدينة القطيف (١٤٥) ، وضبط اسمها بضم القاف كأنّه تصغير قطف ، وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب ، وهم رافضيّة غلاة يظهرون
__________________
(١٤٢) اسم البحرين كان يعني في ذلك العهد الساحل الذي يقع في منطقة الاحساء قبالة الجزيرة الحالية للبحرين. الجزيرة نفسها كانت تحمل اسم أوال (Awal) أو آوال ، نسبة إلى صنم كانت تعبده قبيلة بكر بن وائل وكانت عاصمتها تسمى البحرين ، والمدينتان الاثنتان الرئيسيتان في الساحل هما اللتان سيقع ذكرهما فيما بعد. نشكر بهذه المناسبة معالي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة لمساعدته القيّمة ...
(١٤٣) تحدّث الشريف الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق) عن العيون التي تزخر بها أرض البحرين ... وفي أثناء الوجود التركي بالبحرين كان الجنود ينزلون إلى أعماق البحر ليملأوا القرب بالماء الحلو لرؤسائهم ، وكذا أيام الاحتلال البرتغالي ... وهناك أسطورة تحكي عن جمل وقع في عين بالأحساء ثم وجد بالبحرين ...GI BB : SELECTION ٩٢٩١ P.٣٥٣ NOTE ٨٢ أمل ابراهيم الزياني : البحرين ، بيروت ١٩٧٣ ص ١٩.
(١٤٤) افادة ابن بطوطة تحتاج إلى تعليق سيّماوان الذين أتاحت لهم الفرصة للتردد على البحرين لا يلاحظون أثرا للجبلين المشار اليهما. والحقيقة أن المسعودي في مروج الذهب (ج ١ ص ٢٤٠) وهو يتحدث عن الجزائر المتناثرة في المنطقة يقول : وبقرب هذه الجزيرة جزيرة هنجام ومنها يستقي أرباب المراكب الماء ثم الجبال المعروفة بكسير وعوير وثالث ليس فيه خير" ... ويذكر ياقوت أن كسير وعوير جبلان عظيمان مشرفان على أقصى بحر عمان ... وبالعودة إلى الإخباريين نجدهم يذكرون غير هذا أو ذاك وان اصل المثل لأمامة بنت نشبة بن مرة كانت عند خالد بن رواحة من غطفان ، وكان أعور فنشزت عليه فزوجها أبوها من حارثة بن مرة الشيباني وكان أعرج فنشزت عليه أيضا ، وقالت عوير وكسير وكل غير خير»! فارسلتها مثلا ...
(١٤٥) القطيف يضبطها بالتّصغير على خلاف ما عند ياقوت في معجم البلدان تقع شمال غربي جزيرة البحرين على ساحل الجزيرة العربية شمال الظهران وقد ربطت البحرين اليوم بالسعودية بجسر عظيم وكانت آخر معقل للقرامطة ، وقد فتحت المنطقة عام ٧٠٥ ١٣٠٥ من قبل أحد العرب من بطن قريش يحمل اسم جروان المالكي حيث أنشأ دولة شيعية محلية ، وقد ترجم ابن حجر لحفيده ابراهيم بن ناصر بن جروان ، وقال أن جدّه جروان انتزع الملك من سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة القرمطي عام ٧٠٥ وحكم بلاد البحرين كلها ثم لما مات قام ولده ناصر مقامه ثم قام ابراهيم مقام أبيه وكان موجودا في العشرين وثمانمائة ـ الدرر ج I ص ٧٥ ـ أنظر كتاب القطيف تأليف محمد سعيد المسلم. الرياض ١٤١٠ ١٩٨٩ طبعة أولى ـ مع تقديري لمساعدة الأستاذ محمد سعيد البريكي ـ الجبيل السعودية.