يربط حبلا في وسطه ، ويغوص ويتفاوتون في الصبر في الماء ، فمنهم من يصبر السّاعة (١٤٠) والسّاعتين فما دون ذلك ، فإذا وصل إلى قعر البحر يجد الصدف هنالك فيما بين الأحجار الصّغار مثبتا في الرمل فيقتلعه بيده أو يقطعه بحديدة عنده معدّة لذلك ويجعلها في مخلاة جلد منوطة بعنقه فإذا ضاق نفسه حرّك الحبل ، فيحسّ به الرجل الممسك للحبل على الساحل فيرفعه إلى القارب فتوخذ منه المخلاة ويفتح الصّدف فيوجد في أجوافها قطع لحم تقطع بحديدة ، فإذا باشرت الهواء جمدت فصارت جواهر فيجمع جميعها من صغير وكبير فيأخذ السلطان خمسه (١٤١) ، والباقي يشتريه التّجار الحاضرون بتلك القوارب وأكثرهم يكون له الدين على الغوّاصين فياخذ الجوهر في دينه أو ما وجب له منه.
__________________
(١٤٠) هذه القصة تؤكد أن ابن بطوطة ربما كان يعتمد فيها على حكاية للغير فإنه أولا لم يصادف موسم الغوص ... ثم ان موقع مغاص الجوهر لم يقع تحديده بوضوح ... ولو أنه على ما يظهر فيما بين ميناء (طاهري) وجزيرة قيس.
هذا وقد أثارت عبارة ابن بطوطة : " منهم من يصبر الساعة والساعتين" حملات على الرحالة المغربي الذي لم يعرف المعلقون ما يقصد إليه من أن عمليات النزول ، إلى قعر البحر تستمر الساعة والساعتين ... وينبغي أن نرجع للشريف الإدريسي الذي عند ما كان يتحدث عن (اوال) في البحرين يذكر أنه بها يسكن رؤساء الغواصين في البحر والتجار يقصدون اليها من جميع الأقطار بالأموال الكثيرة ، يقيمون بها حتى يكون وقت الغوص. وزمانه في غشت وشتنبر فيخرجون من المدينة في أزيد من مائتي دونج مركب ... ومعهم دليل ماهر ... وهم خلفه في مراكبهم صفوفا لا تتعدى جريه ... ويقوم هو عند الاقتضاء بالنزول إلى قعر البحر ليعرف عن امكانية نزول الآخرين ، وعمق الماء في الأماكن المرشحة للغوص من قامتين إلى ثلاث ... ويضع الغواص في انفه (الخنجل) ، وهو شمع مذاب بذهن الشيرج يسد به أنفه ويأخد معه سكينا ومشنة يجمع فيها ما يجده هناك في الصدف ، ومع كل غواص منهم حجر من وزن ربع قنطار مربوطا بحبل رقيق وثيق فيدليه في الماء مع جنب الدونج ويمسك الحبل صاحبه بهذه امساكا وثيقا ... فإذا نزل إلى قعر البحر جلس وفتح عينه في الماء ... وجمع ما وجد هناك من الصدف في عجل فإن أدركه الغم كثيرا صعد مع الحبل واسترد نفسه حتى يستريح ويرجع إلى غوصه ... فإذا اتم الغواصون في البحر مقدار ساعتين صعدوا ولبسوا ثيابهم وتدثروا وناموا إلى الصباح فيتجردون ويغوصون ، هكذا كل يوم ... وكلما فرغوا من مكان انتقلوا إلى غيره ... ويقول الادريسي : ان الغوص صنعة تتعلم وينفق عليها الاموال ويتدرّبون في ردّ انفاسهم على آذانهم ... وأعلاهم أجرة أصبرهم تحت الماء.
(١٤١) يقدم لنا ابن بطوطة هنا معلومة جيدة عن الضريبة التي كان يجبيها السلطان وهي خمس اللؤلؤ المستخرج ، وهي النسبة الشرعية لنصيب الدولة من الرّكاز : ما يستخرج من باطن الأرض ... وهذا خلاف ما حكاه ناصر خسرو علوي عام ٤٤٣ من أن سلاطين الحسا كانوا يأخذون نصف ما يستخرجه الغواصون من اللؤلؤ. يراجع البحث القيم الذي صدر بالإنجليزية في مجلة (الوثيقة) البحرينية بهذا العنوان.
PEARL Fishing in BAHRAIN By Dr Ali Ba Hussain and B. K. NARAYAN
مجلة الوثيقة البحرينية العدد ٢٣ السبت ١١ محرم ١٤١٤ يوليه ٩٩٣.