واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره وهي برّيّة لا شطّيّة إحدى قواعد بلاد اليمن ، وهي بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة ، مدينة كبيرة كثيرة العمارة بها النخل والبساتين والمياه ، أملح بلاد اليمن وأجملها ولأهلها لطافة الشمائل وحسن الأخلاق وجمال الصور ولنسائها الحسن الفائق الفائت وهي وادي الحصيب الذي يذكر في بعض الآثار أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لمعاذ في وصيّته : يا معاذ إذا جئت وادي الحصيب فهرول!! (٢٦)
ولأهل هذه المدينة سبوت النخل المشهورة (٢٧) ، وذلك انّهم يخرجون في أيّام البسر والرّطب في كلّ سبت إلى حدائق النخل ، ولا يبقى بالمدينة أحد من أهلها ولا من الغرباء ، ويخرج أهل الطرب وأهل الاسواق لبيع الفواكه والحلاوات ، وتخرج النساء ممتطيات الجمال في المحامل ، ولهنّ مع ما ذكرناه من الجمال الفائت الاخلاق الحسنة والمكارم (٢٨) ، وللغريب عندهنّ مزيّة ولا يمتنعن من تزوّجه كما يفعله نساء بلادنا ، فإذا أراد السفر خرجت معه وودّعته وإن كان بينهما ولد فهي تكفله وتقوم بما يجب له إلى أن يرجع أبوه ولا تطالبه في أيّام الغيبة بنفقة ولا كسوة ولا سواها وإذا كان مقيما فهي تقنع منه بقليل النفقة والكسوة لاكنّهنّ لا يخرجن عن بلدهنّ أبدا ولو أعطيت إحداهن ما عسى أن تعطاه على أن تخرج عن بلدها لم تفعل.
وعلماء تلك البلاد وفقهاؤها أهل صلاح ودين وأمانة ومكارم وحسن خلق ، ولقيت بمدينة زبيد الشيخ العالم الصالح أبا محمّد الصنعانيّ ، والفقيه الصوفي المحقّق أبا العباس الأبيانيّ ، والفقيه المحدّث أبا عليّ الزّبيديّ ، ونزلت في جوارهم فأكرموني وأضافوني ، ودخلت حدائقهم واجتمعت عند بعضهم بالفقيه القاضي العالم أبي زيد عبد الرحمن الصوفي أحد
__________________
(٢٦) يظهر أن ابن المجاور لم يكن متفقا مع ابن بطوطة حول الحسن الفائق الفائت فقد وجدناه في كتابه صفة اليمن ص ٢٤٦ يقسم بالله الرحمن الرحيم أنه ما رأى في جميع اليمن سهلها وجبالها وجها حسنا ... ما ترى إلا عجائز سوء ...!! وأعتقد أن ظروف الرجلين كانت تختلف فتنوعت لذلك الآراء! هذا ولا يخفى ما في الأثر الشريف من دعابة لطيفة لمبعوثه معاذ بن جبل الذي نعرف عن مكانته لدى الرسول عليه الصلوات!
(٢٧) هذا العيد تردد الحديث عنه في كتب التاريخ ويظهر أن أصله يرجع إلى عادة وثنية تضرب في جذور التاريخ القديم ويتحدث الخزرجي في ترجمته لأبي الربيع سليمان الفقيه الحنفي ... عن أنه لما ظهرت السبوت في زبيد وعمل فيها المنكر هاجر إلى الحبشة ج I ص ١١٢ ـ وانظر ابن المجاور ص ٧٨ ـ ٧٩ عند حديثه عن النخل ...
(٢٨) راجع التعليق السابق رقم ٢٦.