وعلى مسيرة يوم من هذه المدينة جبال الرّوس وهم نصارى شقر الشعور زرق العيون قباح الصور ، أهل غدر ، وعندهم معادن الفضّة (٧٣) ، ومن بلادهم يوتي بالصّوم ، وهي سبائك الفضّة التي بها يباع ويشترى في هذه البلاد ووزن الصّومة منها خمس أواقي.
ثم وصلنا بعد عشر من هذه المدينة إلى مدينة سرداق (٧٤) وضبط اسمها بضم السين المهمل وسكون الراء وفتح الدال المهمل وآخره قاف ، وهي من مدن دشت قفجق على ساحل البحر ، ومرساها من أعظم المراسي وأحسنها ، وبخارجها البساتين والمياه وينزلها الترك وطائفة من الروم تحت ذمّتهم ، وهم أهل الصنائع ، وأكثر بيوتها خشب ، وكانت هذه المدينة كبيرة فخرب معظمها بسبب فتنة وقعت بين الروم والترك ، وكانت الغلبة للرّوم فانتصر للترك أصحابهم وقتلوا الروم شرّ قتله ونفوا أكثرهم وبقي بعضهم تحت الذمّة إلى الآن.
وكانت (٧٥) الضيافة تحمل إلى الخاتون في كلّ منزل من تلك البلاد من الخيل والغنم والبقر والدّوقي والقمزّ وألبان البقر والغنم ، والسّفر في هذه البلاد مضحى ومعشى ، وكل أمير بتلك البلاد يصحب الخاتون بعساكره إلى آخر حدّ بلاده تعظيما لها ، لا خوفا عليها ، لأن تلك البلاد آمنة.
ثم وصلنا إلى البلدة المعروفة باسم بابا سلطوق (٧٦) ، وبابا عندهم بمعناها عند البربر سواء(٧٧) ، إلّا أنّهم يفخّمون الباء وسلطوق بفتح السين المهمل واسكان اللام وضمّ الطاء
__________________
(٧٣) يلاحظ أن المعلومات التي قدمها ابن بطوطة اعتمد فيها على ما كان يسمعه فإنه توجد في المنطقة مناجم رصاص فضّي على مقربة من نهر مييوس (MIUSS) بين أزوف وأكك هذا وقد علقت مخطوطة مغربية على كلمة (غدر) بأن هذا غير معهود في الروس!!
(٧٤) تقع سرداق (SURDAQ) أو (سولدايا) في جزيرة القرم وقد كانت الميناء الأساسي للتجارة في الشمال الشرقي لساحل البحر الأسود وكانت مركزا للبنادقة والجنويين ... وبما انها لم تكن على الطريق فيظهر أن زيارته لها تمت أثناء وجوده في جزيرة القرم.
(٧٥) لعل الإشارة إلى الصدام الذي أدى لاحتلال سرداق من لدن أوزبك خان عام ٧٢٢ ١٣٢٢. راجع الموسوعة الإسلامية مادة (Sughdak).
(٧٦) حسب الرواية التركية فإن ساري سلطيق كان رجلا مجاهدا احتل بواسطة جماعة من التركمان ـ دوبروجا (DOSBURDjA) بعد سنة ٦٥٨ ١٢٦٠ ، وقد أدركه أجله بها بعد سنة ٦٩٩ ١٣٠٠ ، قبره يوجد في مدينة بابا داغ شمال دوبروجا. وحيث إن ذلك الرجل الصالح على ما قيل عاش ردحا من الزمان في البراري الروسية فانه من المحتمل أن يكون المكان الذي يحمل اسمه موجودا في جنوب الروسيا على بعد ١٢٠٠ ك. م. من اصطرخان ـ تعليق ٧١.
(٧٧) نلاحظ أن ابن بطوطة وهو من قبيلة لواته المغربية لا يفتأ يقارن بين الألفاظ التي سمعها مما يجد لها علاقة بين ما هنا وهناك.