العنب ، مخلوطا بالدقيق والسمن ، وفي كل زاوية الشيخ والامام والمؤذن والخادم للفقراء ، والعبيد والخدم يطبخون الطعام. ثم وصلت إلى مدينة تستر (٧٠) وهي آخر البسيط من بلاد أتابك (٧١) وأول الجبال ، مدينة كبيرة ، رايقة نضيرة ، وبها البساتين الشريفة ، والرياض المنيفة ، ولها المحاسن البارعة ، والأسواق الجامعة ، وهي قديمة البناء افتتحها خالد بن الوليد ، ووليّ هذه المدينة ينسب إلى سهل بن عبد الله ويحيط بها النهر المعروف بالأزرق (٧٢) وهو عجيب في نهاية من الصفاء شديد البرودة في أيام الحرّ ، ولم أر كزرقته إلا نهر بلخشان (٧٣) ، ولها باب واحد للمسافرين يسمّى دروازة دسبول (٧٤) ، والدّروازة عندهم الباب ، ولها أبواب غيره شارعة إلى النهر وعلى جانبي النّهر البساتين والدّواليب (٧٥) ، والنهر عميق ، وعلى باب المسافرين منه جسر على القوارب (٧٦) كجسر بغداد والحلة.
قال ابن جزي : وفي النهر يقول بعضهم
انظر لشاذروان تستر واعتجب |
|
من جمعه ماء لريّ بلاده |
كمليك قوم جمّعت أمواله |
|
فغدا يفرّقها على أجناده |
__________________
(٧٠) بالفارسية تحمل اسم (Shushtar) وقد خصص اعتماد السلطنة في كتابه (مرآة البلدان ج I حرف التاء) فصلا ممتازا لتقديم هذه المدينة الجليلة القدر التي ظلت منذ أن افتتحها العرب بقيادة أبى موسى الأشعري حوالي سنة ٤٢ ٦٦٢ ملاذا للعلماء ورجال الفضل وحملة الأقلام ... ومن أشهر المنتسبين إليها السادة النّورية وفي مقدمتهم نعمة الله الموسوي الحسيني صاحب كتاب (زهر الربيع) ، هذا وقد استهوت المعلومات التي قدمها ابن بطوطة اعتماد السلطنة فنقلها بحذا فيرها ، يلاحظ أن ابن بطوطة اختار له طريقا ذا منعطفات ومنعرجات.
(٧١) (أتابك)(Atabak) وتعني الأب الكبير لقب أعطي من لدن السلاطين السلاجقة للأمراء الذين يبعثون بهم ولاة على الأقاليم ، وكثير من هؤلاء الأتابكة اغتنموا فرصة سقوط الامبراطورية السلجوقية للاستقلال بالحكم!
(٧٢) النهر الأزرق هو ما يعرف بنهر كارون (Le fleuve karun) ويعرف في العصر الوسيط باسم نهر دجيل.
(٧٣) هذا النهر يقع في أفغانستان وهو يسمى اليوم كوكشا (Kokcha) من روافده نهر جيحون (OXUS) يسمى عند الجغرافيين في العصر الوسيط بسم درغم Dirhgam.
(٧٤) يحمل كذلك اسم دزفول ... ويتحدث مستوفي عن أربعة أبواب ...
(٧٥) يروي نعمة الله الموسوي الحسيني في كتابه زهر الربيع أن أبا نواس قال في الدواليب التي تعمل في مدينة تستر لرفع الماء من قراره إلى البساتين المرتفعة ، وهو من أجمل ما قيل :
ودولاب روض بعدما كان أغصنا |
|
تميس ، فلمّا مزقته يد الدهر |
تذكّر عهدا بالرياض فكلها |
|
عيون على أيام عصر الصّبا تجري! |
(٧٦) يتحدث المقدسي (ت ٣٨٠ ٩٩٠) من رجال القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي عن الجسر المحمول على المراكب ، وقد تحول هذا الجسر المحمول فيما بعد إلى جسر مبنى على سد.