نحو مدينة البصرة
ولمّا تحصّلت لنا زيارة أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، سافر الركب إلى بغداد ، وسافرت إلى البصرة صحبة رفقة كبيرة من عرب خفاجة (١٨) ، وهم أهل تلك البلاد ، ولهم شوكة عظيمة وبأس شديد ، ولا سبيل للسفر في تلك الأقطار إلّا في صحبتهم ، فاكتريت جملا على يد أمير تلك القافلة شامر بن درّاج الخفاجيّ وخرجنا من مشهد عليّ عليهالسلام فنزلنا الخورنق موضع سكنى النعمان ابن المنذر (١٩) وابائه من ملوك بني ماء السماء ، وبه عمارة وبقايا قباب ضخمة ، في فضاء فسيح على نهر يخرج من الفرات ، ثم رحلنا عنه فنزلنا موضعا بقائم (٢٠) الواثق ، وبه أثر قرية خربة ومسجد خرب لم يبق منه إلا صومعته ، ثم رحلنا عنه اخذين مع جانب الفرات بالموضع المعروف بالعذار ، وهو غابة قصب في وسط الماء (٢١) يسكنها أعراب يعرفون بالمعادي ، وهم قطّاع الطريق، رافضيّة المذهب خرجوا على جماعة من الفقراء تأخروا عن رفقتنا فسلبوهم حتّى النّعال والكشاكيل(٢٢) ، وهم يتحصّنون بتلك الغابة ويمتنعون بها ممّن يريدهم ، والسباع بها كثيرة ، ورحلنا مع هذا العذار ثلاث مراحل ثم وصلنا مدينة واسط.
مدينة واسط
مدينة واسط وهي حسنة الأقطار ، كثيرة البساتين والأشجار ، بها أعلام يهدي الخير شاهدهم وتهدى الاعتبار مشاهدهم (٢٣) ، وأهلها من خيار أهل العراق ، بل هم خير على
__________________
(١٨) بنو خفاجة ، فرع من القبيلة الشهيرة عقيل بن كعب هاجر إلى ناحية الكوفة في أوائل القرن الخامس الهجري القرن العاشر الميلادي ، معجم قبائل العرب لكحالة.
(١٩) الخورنق كان قصرا شهيرا قبل ظهور الإسلام يقع على بعد كيلوميتر ونصف من النجف ، وكان منسوبا لملوك الحيرة وخاصة منهم النّعمان بن امرئ القيس أمير الحيرة من قبل ملك الفرس المتوفى سنة ١٩٨ ق. ه ٤٣١ ميلادية ، وهو الذي بنى أيضا قصر" السدير" وليس النعمان بن المنذر المتوفى سنة ١٥ ق. ه ـ ٦٠٨. وبعد أن استعمل كمقر إقامة للحكام العرب في الكوفة ، اختفت اثاره نهائيا ، ويظهر أن حديث ابن بطوطة هذا عن الخورنق كان اخر إشعار بوجود معالم هذا القصر الذي طبّقت شهرته الآفاق.
(٢٠) هو المكان الذي يسمى إلى الآن بالقائم ...
(٢١) إقليم يقع جنوب الجمهورية العراقية اليوم وهو مغطّى بمستنقع يتوزع فيه نهر الفرات ، في ضفة جميلة جدّا بمناظرها الرائعة المتنوّعة وتعرف تحت اسم (الجبايش) و (الأهوار) وقد زرتها على متن زورق خاص بمناسبة زيارتي لبغداد في نونبر ١٩٨١ بمناسبة مشاركتي في مؤتمر وزراء الثقافة العرب ببغداد ، وإن الذين يعرفون عن وجود واسط على بعد ١١٥ ميلا شرقي النّجف. ويقرءون مع هذا عن حديثه عن غابة القصب قبل أن يصل إلى واسط ... إن الذين يعرفون ذلك يدركون اضطراب الوصف ...
(٢٢) الكشاكل جمع كشكول : آنية للشرب يتخذها الفقراء أثناء تنقلاتهم ، ويجمعون فيها أيضا ما يجود به الناس عليهم. وما يزال التعبير معروفا بالمغرب : فلان نصب الكشكول : أي يحتاج إلى عطاء!!
(٢٣) واسط عمّرت من لدن الحجّاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٤ ٧٠٣ عندما كان واليا على العراق ، تقع منتصف الطريق بين الكوفة والبصرة ، ومن هنا كان اسمها كذلك لأن منها إلى كل واحدة منهما خمسين فرسخا ... والحديث عن انها مركز علم وفكر متجدد ودائم ... ـ معجم البلدان
FU\'AD SAFAR : Wasit ,Baghdad ٥٤٩١