الكلاب على قاضي مجد الدين ووصلت اليه بصبصت إليه وحركت أذنابها بين يديه ولم تهجم عليه بشيء فبلغ ذلك السلطان ، فخرج من داره حافي القدمين ، فأكبّ على رجلي القاضي يقبّلهما ، وأخذ بيده وخلع عليه جميع ما كان عليه من الثياب ، وهي أعظم كرامات السلطان عندهم. وإذا خلع ثيابه كذلك على أحد كانت شرفا له ولبنيه وأعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو شيء منها وأعظمها في ذلك السراويل (١٣٤) ، ولما خلع السلطان ثيابه على القاضي مجد الدين أخذ بيده وأدخله إلى داره وأمر نساءه بتعظيمه والتبرك به ورجع السلطان عن مذهب الرفض ، وكتب إلى بلاده أن يقرّ الناس على مذهب أهل السنة والجماعة (١٣٥) واجزل العطاء للقاضي وصرفه إلى بلاده مكرما معظما ، وأعطاه في جملة عطاياه مائة قرية من قرى جمكان (١٣٦) ، وهو خندق بين جبلين طوله أربعة وعشرون فرسخا يشقّه نهر عظيم والقرى منتظمة بجانبيه ، وهو احسن موضع بشيراز ، ومن قراه العظيمة التي تضاهي المدن قرية ميمن وهي للقاضي المذكور.
ومن عجائب هذا الموضع المعروف بجمكان أن نصفه ممّا يلي شيراز ، وذلك مسافة اثنى عشر فرسخا شديد البرد وينزل فيه الثلج واكثر شجره الجوز ، والنصف الآخر ممّا يلي بلاد هنج وبال وبلاد اللّار في طريق هرمز ، شديد الحرّ وفيه شجر النخيل.
__________________
(١٣٤) عادة خلع السّراويل من أعظم الدلالات على التقدير والمحبة! والجدير بالذّكر أن هذه العادة كانت معروفة في تاريخ علاقات ملوك المغرب بأمراء شنقيط ، وهكذا ففي الوقت الذي كنا نقرأ فيه عن تبادل الهدايا بين هؤلاء وأولئك ، قرأنا في أحد الهوامش على كتاب (التكملة في تاريخ إمارتي البراكنة والترارزة) أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله أهدى السّروال الأبيض إلى المختار بن اعمر لما وفد عليه في تيشّيت ... ـ يراجع محمد فال بن بابه العلوي : التكملة ، ص ٤٤ تحقيق الزميل الأستاذ أحمد ولد الحسن بيت الحكمة ـ تونس ١٩٨٦.
(١٣٥) يلاحظ أن السلطان أولجايتو لم يقلع عن مذهبه الشيعي ولكنه أظهر نوعا من التسامح مع أهل السنة ... ولم يمكن للمذهب السنّي أن يصبح رسميا إلّا عند تنصيب ولده السلطان أبي سعيد عام ٧١٦ ١٣١٦.
SUPLER : DIE Mongolen in IRAN
د. التازي : ايران بين الأمس واليوم ص ٦٤ وما بعدها.
(١٣٦) يضع مستوفي جمكان علي بعد خمسه فراسخ جنوب كور (CAVAR) وعلى ستة فراسخ شمال ميمند على مقربة من زنجيران الحالية.
ويظهر أن ابن بطوطة اختلط عليه اسم جمكان باسم شيمكان (Sim ـ kan) التي على منتصف الطريق بين ميمن وكارزي ـ ابن بطوطة عند عودته عام ٧٤٧ ١٣٤٧ وضع جمكان بين هذين المكانين. على ما سنرى في السفر الثاني (IV ، ٣١١) ـ ميمند التي تقع شرق فيروز أباد هي ميمن ابن بطوطة ، ونذكر أن لتقسيم ابن بطوطة الاقليم إلى منطقتين أصلا في تاريخ البلاد ... وحسب المعلومات التي يقدمها" دليل شيراز" فإن دائرة ميمند كانت اسست من لدن خاتون كوقف على مسجد به قبر يدعى شاه شيراغ ...