المهمل وآخره قاف ، ويذكرون أن سلطوق هذا كان مكاشفا لاكن يذكر عنه أشياء ينكرها الشرع، وهذه البلدة آخر بلاد الأتراك ، وبينها وبين أوّل عمالة الرّوم ثمانية عشر يوما في بريّة غير معمورة ، منها ثمانية أيّام لا ماء بها ، يتزوّد لها الماء ، ويحمل في الرّوايا والقرب على العربات ، وكان دخولنا اليها في أيام البرد ، فلم نحتج إلى كثير من الماء (٧٨) ، والأتراك يرفعون الألبان في القرب ويخلطونها بالدّوقي المطبوخ ، ويشربونها فلا يعطشون.
وأخذنا من هذه البلدة في الاستعداد للبريّة ، واحتجت إلى زيادة أفراس فأتيت الخاتون فأعلمتها بذلك ، وكنت أسلّم عليها صباحا ومساء ومتى أتتها ضيافة تبعث إليّ بالفرسين والثلاثة وبالغنم ، فكنت أترك الخيل لا أذبحها وكان من معي من الغلمان والخدّام يأكلون من أصحابنا الأتراك فاجتمع لي نحو خمسين فرسا ، وأمرت لي الخاتون بخمسة عشر فرسا وأمرت وكيلها ساروجة الرومي (٧٩) أن يختارها سمانا من خيل المطبخ ، وقالت : لا تخف فإن احتجت إلى غيرها زدناك!!
ودخلنا البرية في منتصف ذي القعدة (٨٠) ، فكان سيرنا من يوم فارقنا السلطان إلى أول البرية تسعة عشر يوما ، وإقامتنا خمسة ، ورحلنا من هذه البريّة ثمانية عشر يوما مضحى ومعشى ، وما رأينا إلّا خيرا ، والحمد لله.
ثم وصلنا بعد ذلك إلى حصن مهتولي (٨١) ، وهو أول عمالة الروم ، وضبط اسمه بفتح
__________________
(٧٨) هنا يظهر أن ابن بطوطة يخلط بين خط سيره وهو ذاهب ، وبينه وهو عائد فإن البرية المتحدث عنها هي صحراء نوگي (NOGAI) وتوجد شمال القرم. والبرد المشار اليه ينبغي أن يتفق مع وقت عودته أواخر اكتوبر. رحلته صحبة الخاتون كانت في عز الصّيف على ما سنرى ...
ـ د. التازي : مع ابن بطوطة من البحر الأسود إلى نهر جيحون. المناهل ، مارس ١٧٧٥.
(٧٩) ساروجة : الاسم تركي ، ولكنه يعني : أشقر الشعر.
(٨٠) يوافق ١٥ ذو القعدة ٧٣٤ ١٥ يوليه ١٣٣٤ فكيف يكون هذا أيام اشتداد البرد وارتداء ثلاث فروات وسروالين وخفّين و... و... على ما سنقرأه (التعليق الآتي رقم ١١٣)!!
ـ هذا وبالنظر لما قدمه ابن بطوطة من تاريخ لابتداء الرحلة فإن المنطق يقتضي أن نقول : تسعة وعشرين يوما عوض تسعة عشر ...
(٨١) من الصعب أن يحدّد الباحث الطريق التي اتبعها ابن بطوطة في هذه الإشارة لأنه كان يقطع فضاء واسعا ، ولهذا فإن افاداته ليست واضحة ، ونعتقد أن ذاكرته كانت تخونه وهو يملي مذكراته ... لا سيما في هذه الرحلة الرسمية التي كان فيها ـ ضمن ركب الملكة ـ مسيّرا لا مخيّرا على نحو ما لاحظناه عليه وهو يصحب الأمير من بغداد إلى تبريز ... والعكس ...
وان المدينة الحدودية كانت على ذلك العهد ديامبوليس (Diampolis) أو كافولي (KAVULI) (جامبولي حاليا) جنوب نهر تونجا في بلغاريا وان عدد الأيام التي اجتازها من بابا سلطوق تشير إلى أن المسافة كانت ٨٠٠ ك. م وهي نفس المسافة بين نهر دنيبّير وجامبولي.!