الميم وسكون الهاء وضم التاء المعلوّة وواو مدّ ولام مكسور وياء ، وكانت الروم قد سمعت بقدوم هذه الخاتون على بلادها فوصلها إلى هذا الحصن كفالي نقوله (٨٢) الرومي في عسكر عظيم وضيافة عظيمة وجاءت الخواتين والدايات من دار أبيها ملك القسطنطينية.
وبين مهتولي والقسطنطينية مسيرة اثنين وعشرين يوما إلى الخليج وستة منه إلى القسطنطيني، ولا يسافر من هذا الحصن إلا بالخيل والبغال ، وتترك العربات به لأجل الوعر والجبال ، وجاء كفالي المذكور ببغال كثيرة وبعثت إليّ الخاتون بستة منها وأوصت أمير ذلك الحصن بمن تركته من أصحابي وغلماني مع العربات والأثقال ، فأمر لهم بدار ، ورجع الأمير بيدرة بعساكره ، ولم يسافر مع الخاتون إلا ناسها ، وتركت مسجدها بهذا الحصن وارتفع حكم الآذان!!
وكان يؤتى إليها بالخمور في الضيافة فتشربها وبالخنازير ، وأخبرني بعض خواصّها أنها أكلتها ولم يبق معها من يصلّي الا بعض الأتراك كان يصلي معنا ، وتغيّرت البواطن لدخولنا في بلاد الكفر، ولاكن الخاتون أوصت الأمير كفالي بإكرامي ، ولقد ضرب مرة بعض مماليكه لما ضحك من صلاتنا! ثم وصلنا حصن مسلمة بن عبد الملك (٨٣) وهو بفسح جبل على نهر زخّار يقال له أصطفيلي ، ولم يبق من هذا الحصن إلّا آثاره ، وبخارجه قرية كبيرة ، ثم سرنا يومين ووصلنا إلى الخليج (٨٤) وعلى ساحلة قرية كبيرة فوجدنا فيه المدّ ، فأقمنا حتى كان الجزر وخضناه ، وعرضه نحو ميلين ومشينا أربعة أميال في رمال ووصلنا الخليج الثاني فخضناه وعرضه نحو ثلاثة أميال ، ثم مشينا نحو ميلين في حجارة ورمل ووصلنا الخليج الثالث ، وقد ابتدأ المدّ فتعبنا فيه وعرضه ميل واحد ، فعرض الخليج كله مائيّة ويابسة اثنا عشر ميلا ، وتصير ماء كلها في أيام المطر فلا تخاض إلّا في القوارب.
__________________
(٨٢) كفالي ترجمة للعلم الجغرافي الإغريقي Kephale معناه الرئيس والقائد ، ولفظ نقوله عند العرب يعني نيكولاص (Nicolas)
(٨٣) مسلمة ابن الخليفة عبد الملك له فتوحات مشهورة سار في مائة وعشرين ألفا لمحاصرة القسطنطينية في دولة أخيه سليمان ، سنة ٩٨ ٧١٦ ـ ٧١٧ ، وقد غزا مسلمة الترك عام ١٠٩ ٧٢٧ م ، أدركه أجله بالشام عام ١٢٠ ٧٣٨ ، هذا وتذكر التعاليق أن الحصن المتحدث عنه لم يبق له أثر وأن النهر المذكور لا تعرف عنه معلومات ، ومعنى هذا أن هذه معلومات أصيلة استأثر بها ابن بطوطة.
ـ M. Canard : les expeditions des arabes constantinopole, PARIS ٦٢٩١.
ـ فتحي عثمان : الحدود الإسلامية البيزنطية ، ٢ ، ٨٤ ، ٣ ، ٢٨٢ دار الكتاب العربي ـ القاهرة ١٩٦٦.
(٨٤) الحديث عن الخلجان بهذا الشكل يوحي بأن ابن بطوطة يتحدث عن منافذ نهر الدانوب ولو أن هذا يسلمنا إلى مشاكل حاولنا عبثا أن نتغلب عليها على ما سنرى.