وبهذه المدينة مارستان ومدرستان ، وأهلها أهل صلاح ودين وصدق وأمانة ، ولقد صدق أبو نواس في قوله
طابت نصيبين لي يوما وطبت لها |
|
يا ليت حظّي من الدنيا نصيبين! |
قال ابن جزي : والناس يصفون مدينة نصيبين بفساد الماء والوخامة ، وفيها يقول بعض الشعراء.
لنصيبين قد عجبت وما في |
|
دارها داع إلى العلّات |
يعدم الورد أحمرا في ذراها |
|
لسقام حتّى من الوجنات (٢٧٩) |
ثمّ رحلنا إلى مدينة سنجار (٢٨٠) ، وهي مدينة كبيرة كثيرة الفواكه والأشجار ، والعيون المطرّدة والأنهار ، مبنيّة في سفح جبل ، تشبّه بدمشق في كثرة أنهارها وبساتينها ، ومسجدها الجامع مشهور البركة ، يذكر أن الدعاء به مستجاب ، ويدور به نهر ماء ويشقّه ، وأهل سنجار أكراد ، ولهم شجاعة وكرم وممّن لقيته بها الشيخ الصالح العابد الزاهد عبد الله الكرديّ أحد المشايخ الكبار صاحب كرامات ، يذكر عنه أنّه لا يفطر الّا بعد أربعين يوما ، ويكون إفطاره على نصف قرص من الشّعير لقيته برابطة بأعلى جبل سنجار (٢٨١) ، ودعا لي وزوّدني بدراهم لم تزل عندي إلى أن سلبني كفّار الهنود.
__________________
(٢٧٨) أبو نواس الحسين بن هاني بن عبد الأول ، شاعر العراق في عصره ، ولد في الأهواز من بلاد خوزستان ، ونشأ بالبصرة ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بني العباس ... فمدحهم ... ورحل لمصر فمدح أميرها الخصيب سالف الذكر وعاد إلى بغداد وهناك أدركه أجله عام ١٩٨ ٨١٤ ولا يخفى ما في البيت من تورية ...
(٢٧٩) حسب أبي الفدا فإنه لا يوجد في نصيبين الا الورد الأبيض ... وبعض المؤلفين المعاصرين يتحدثون كذلك عن مناخها الوخيم ...
(٢٨٠) سنجار التي توجد على بعد مائة وعشرين كيلو ميترا غرب الموصل هي في الواقع خارج خط سير ابن بطوطة الذي كان يتجه نحو ماردين ، ويظهر أن هناك سهوا وقع فيه ابن بطوطة الذي كان عليه أن يذكر (سنجار) كمرحلة قبل الوصول إلى نصيبين (انظر الخريطة) ..
(٢٨١) يذكر الهروي أن بمدينة سنجار مشهدا للإمام على رضياللهعنه على الجبل وقد زرتها أثناء سفارتي الثانية للتعرف على اليزيدية الذين يقال عنهم ما يقال ، وهم كما قال ابن بطوطة ذووا شجاعة واستقامة ، ويكفي أن الرحالة المغربي تتلمذ على أحد مشايخهم!