وهو من مراسي الدنيا الشهيرة ، ثم اكترينا عجلة وسافرنا إلى مدينة القرم (٩) ، وهي بكسر القاف وفتح الراء ، مدينة كبيرة حسنة من بلاد السلطان المعظّم محمد أوزبك خان وعليها أمير من قبله اسمه تلكتمور (١٠) ، وضبط اسمه بتاء مثناة مضمومة ولام مضموم وكاف مسكن وتاء كالأولي مضمومة وميم مضمومة وواو وراء وكان أحد خدّام هذا الأمير قد صحبنا في طريقنا فعرّفه بقدومنا، فبعث إليّ مع إمامه سعد الدين بفرس ، ونزلنا بزاوية شيخها زاده الخراساني ، فأكرمنا هذا الشيخ ورحّب بنا وأحسن الينا وهو معظم عندهم ، ورأيت الناس يأتون للسلام عليه من قاض وخطيب وفقيه وسواهم.
وأخبرني هذا الشيخ زاده أنّ بخارج هذه المدينة راهبا من النصارى في دير يتعبد به ويكثر الصوم ، وانّه انتهى إلى أن يواصل أربعين يوما ثم يفطر على حبّة فول ، وانّه يكاشف بالأمور ، ورغب منّي أن أصحبه في التوجه إليه فأبيت ثمّ ندمت بعد ذلك على أن لم أكن رأيته وعرفت حقيقة أمره.
ولقيت بهذه المدينة قاضيها الاعظم شمس الدين السايليّ قاضي الحنفية ، ولقيت بها قاضي الشافعية وهو يسمى بخضر والفقيه المدرس علاء الدين الأصيّ ، وخطيب الشافعية أبا بكر ، وهو الذي يخطب بالمسجد الجامع الذي عمّره الملك الناصر (١١) رحمهالله بهذه المدينة ، والشيخ الحكيم الصالح مظفّر الدين ، وكان من الروم فأسلم وحسن إسلامه والشيخ الصالح العابد مظهر الدين وهو من الفقهاء المعظّمين.
وكان الأمير تلكتمور مريضا فدخلنا عليه فأكرمنا وأحسن إلينا ، وكان على وشك
__________________
(٩) القرم : هي صولغات (SOLGHAT) في العصر الوسيط وهي سطاري كريم (STARy KRIM) في العصر الحديث ، ومن هنا أخذت الجزيرة اسمها : القرم. مدينة تقع على بعد ٤٢ ك. م من فيوضوزيا سالفة الذكر ، وقد كانت القرم داخلة ضمن الامبراطورية المعروفة بالأسرة الذهبية (Golden Horde) كانت في الواقع اقطاعا منح للأسرة من أكبر ابناء جنكيز خان : يوشي واحفاده المعروفين عند العرب تحت اسم خانات قفجق ـ السلطان أوزبك الذي تملك من ١٣١٢ إلى ١٣٤١ كان من أقوى الخانات واعظمهم في عشيرته وقد اشتهرت هذه الجزيرة بالحرب التي شنّتها روسيا على تركيا وحلفائها عام ١٢٧٠ ـ ١٢٧٢ ١٨٥٤ ـ ١٨٥٦ والتي انتهت بتغلّب روسيا وإجلاء تركيا عن الجزيرة ...
(١٠) كان حاكم القرم تلكتمور يمارس سلطته المستقلة الواسعة على الجزيرة وقد رسم اسمه في بعض المصادر الأوربية ايضا هكذا (Tolaktemur) ـ هذا ولم نستطع الوقوف على نسبة القاضي السايلي وفيما يتعلق بعلاء الدّين نذكر أنه حسب المخطوطة التي اعتمدناها في المكتبة الملكية فإن الموجود فيها هو الفقيه علاء الدين الأرضي. الأصي يمكن أن يكون نسبته إلى عشيرة آلاص الآتية الذكر تعليق ١١٥.
(١١) تذكر المصادر التّاريخية أن السلطان الجركسي بيبرس بعث عام ٦٨٧ ١٢٨٨ بمهندس معماري وبألف دينار لتشييد جامع القرم بيد أن المسجد الرئيسي شيّد من لدن السلطان أوزبك خان عام ٧١٤ ١٣١٤.