منها إلى سائر بلاد مصر ولها قلعة بأعلاها (١٢) عجيبة منيعة بناها السلطان المعظم علاء الدين الروميّ ، ولقيت بهذه المدينة قاضيها جلال الدين الأرزنجانيّ ، وصعد معي إلى القلعة يوم الجمعة فصلّينا بها ، وأضافني وأكرمني وأضافني أيضا بها شمس الدين بن الرجيحاني الذي توفّى أبوه علاء الدين بمالي من بلاد السودان.
ذكر سلطان العلايا
وفي يوم السبت ركب معي القاضي جلال الدين وتوجّهنا إلى لقاء ملك العلايا ، وهو يوسف بك (١٣) ومعنى بك : الملك ، ابن قرمان بفتح القاف والراء ، ومسكنه على عشر أميال من المدينة فوجدناه قاعدا على الساحل وحده فوق رابية هنالك والأمراء والوزراء أسفل منه والأجناد عن يمينه ويساره وهو مخضوب الشّعر بالسواد فسلّمت عليه ، وسألني عن مقدمي فأخبرته عمّا سأل وانصرفت عنه ، وبعث إليّ إحسانا.
وسافرت من هنالك إلى مدينة أنطالية (١٤) وضبط اسمها بفتح الهمزة واسكان النون وفتح الطاء المهمل والف ولام مكسور وياء كآخر الحروف ، وامّا التي بالشام هي أنطاكية على وزنها إلا أن الكاف عوّض عن اللّام ، وهي من أحسن المدن متناهية في اتّساع الساحة والضخامة أجمل ما يرى من البلاد وأكثره عمارة وأحسنه ترتيبا ، وكل فرقة من سكّانها منفردة بأنفسها عن الفرقة الأخرى ، فتجار النصارى ماكثون منها بالموضع المعروف بالميناء (١٥) وعليهم سور تسدّ أبوابه عليهم ليلا ، وعند صلاة الجمعة ، والروم الذين كانوا أهلها قديما ساكنون بموضع آخر منفردين به، وعليهم أيضا سور ، واليهود في موضع آخر وعليهم سور ، والملك وأهل دولته ومماليكه يسكنون ببلدة عليها أيضا سور يحيط بها ، ويفرّق بينها وبين ما
__________________
(١٢) هذا الحصن كما نرى من بناء علاء الدين قيقباذ الأول على موقع بيزنطي سابق ، القدرية : قوم يقولون : ان كل عبد من عباد الله خالق لفعله متمكن من عمله أو تركه بارادته ، عكس الجبرية ـ لفظ (الجمعة) يعني به ابن بطوطة (الأسبوع) على ما هو المستعمل عند المغاربة في دارجتهم اليوم وليس القصد إلى يوم الجمعة ـ حول القدري والرافضي والمعتزلي والخارجي والمبتدع تراجع دائرة المعارف الاسلامية ـ المبتدع : المرتكب للبدع : حول باقي العبارات انظر دائرة المعارف الإسلامية.
(١٣) فتحت العلايا عام ٦٩٢ ١٢٩٣ من قبل أصحاب قرمان أغلوا الذين خلفوا السلاجقة في المركز الجنوبي للأناضول ، العمري الجغرافي المعاصر لابن بطوطة المتوفى ٧٤٩ ١٣٤٩ يذكر كذلك اسم يوسف كحاكم للعلايا باسم قرمان أو غلو ، بيد أن هذه الشخصية لم تظهر ضمن شجرة هذه الدولة ...
(١٤) أنطاليا هي بالتركية ادالياADALIA ، وفي العصر الوسط سميت ساطاليا ، احتلت عام ٦٠٣ ١٢٠٧ من قبل الملك السلجوقي غياث الدين كيخسرو الاول (KAYHUSRIO) ثم بعد ذلك احتلت من لدن التركمان بزعامة تيك أوغلو.
(١٥) يلاحظ من خلال هذه الافادة وجود التجار المسيحيين وكذا اليهود في هذا الموقع ...