السمن ، ومن العجائب أن دوابّهم إنّما علفها من هذا السردين وكذلك غنمهم (٨٢) ولم أر ذلك في سواها.
وأكثر باعتها الخدم وهنّ يلبسن السواد ، وزرع أهلها الذّرة وهم يسقونها من أبار بعيدة الماء وكيفيّة سقيهم انّهم يصنعون دلوا كبيرة ويجعلون لها حبالا كثيرة ، ويتحزّم بكلّ حبل عبد أو خادم ، ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر ويصبّونها في صهريج يسقون منه ، ولهم قمح يسمّونه العلس وهو في الحقيقة نوع من السّلت ، والأرز يجلب إليهم من بلاد الهند وهو أكثر طعامهم ، ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير ، ولا تنفق في سواها (٨٣) ، وهم أهل تجارة لا عيش لهم الّا منها. ومن عادتهم أنّه إذا وصل مركب من بلاد الهند أو غيرها خرج عبيد السلطان إلى الساحل وصعدوا في صنبوق إلى المركب ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله وللربّان وهو الرئيس وللكراني. وهو كاتب المركب ويؤتى اليهم بثلاثة أفراس فيركبونها وتضرب أمامهم الأطبال والأبواق من ساحل البحر إلى دار السلطان فيسلّمون على الوزير وأمير جندار. وتبعث الضيافة لكلّ من بالمركب ثلاثا وبعد الثلاث يأكلون بدار السلطان وهم يفعلون ذالك استجلابا لأصحاب المراكب ، وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبّة للغرباء ولباسهم القطن ، وهو يجلب إليهم من بلاد الهند ، ويشدّون الفوط في أوساطهم عوض السراول واكثرهم يشدّ فوطة في وسطه ويجعل فوق ظهره أخرى من شدّة الحرّ ويغتسلون مرّات في اليوم وهي كثيرة المساجد ، ولهم في كلّ مسجد مطاهر كثيرة معدّة للاغتسال ، ويصنع بها ثياب من الحرير والقطن والكتّان حسان جدّا.
والغالب على أهلها رجالا ونساء المرض المعروف بداء الفيل ، وهو انتفاخ القدمين واكثر رجالهم مبتلون بالأدر والعياذ بالله.
ومن عوائدهم الحسنة التصافح في المسجد إثر صلاة الصبح والعصر ، يستند أهل الصفّ الأول إلى القبلة ويصافحهم الذين يلونهم ، وكذلك يفعلون بعد صلاة الجمعة يتصافحون أجمعون.
__________________
(٨٢) نفس المعلومات المتعلقة بتعليف الدواب من السمك يذكرها ابن المجاور ... ويلاحظ هنا استعمال كلمة (السردين) التي ليست على كلّ عربية ، ربّما من أصل إغريقي.
(٨٣) يتعلق الامر بنوع من العملة الائتمانية (على نحو ما يستعمل الورق اليوم) حتى يمنع خروج المعدن : الفضة مثلا ...