حديث أوس لما قال : هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ فقال : والله يا رسول الله إني إذا لم آكل في اليوم والليلة ثلاث مرات كلّ بصري وخشيت أن تعشو عيني. والظاهر مطلق الإطعام ، وتخصصه ما كانت العادة في الإطعام وقت النزول ، وهو ما يشبع من غير تحديد بمدّ. ومذهب مالك أنه مد وثلث بالمدّ النبوي ، ويجب استيعاب العدد ستين عند مالك والشافعي ، وهو الظاهر. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو أطعم مسكينا واحدا كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه. (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا) ، قال ابن عطية : إشارة إلى الرجعة والتسهيل في الفعل من التحرير إلى الصوم والإطعام. ثم شدّد تعالى بقوله : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) : أي فالزموها وقفوا عندها. ثم توعد الكافرين بهذا الحكم الشرعي. وقال الزمخشري : ذلك البيان والتعليم للأحكام والتنبيه عليها ، لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه التي شرعها في الظهار وغيره ، ورفض ما كنتم عليه من جاهليتكم ، (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) التي لا يجوز تعديها ، (وَلِلْكافِرِينَ) الذين لا يتبعونها ولا يعملون عليها (عَذابٌ أَلِيمٌ). انتهى.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) : نزلت في مشركي قريش ، أخزوا يوم الخندق بالهزيمة ، كما أخزى من قاتل الرسل من قبلهم. ولما ذكر المؤمنين الواقفين عند حدوده ، ذكر المحادّين المخالفين لها ، والمحادة : المعاداة والمخالفة في الحدود. (كُبِتُوا) ، قال قتادة : أخزوا. وقال السدي : لعنوا. قيل : وهي لغة مذحج. وقال ابن زيد وأبو روق : ردّوا مخذولين. وقال الفراء : غيظوا يوم الخندق. (كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي من قاتل الأنبياء. وقيل : يوم بدر. وقال أبو عبيدة والأخفش : أهلكوا. وعن أبي عبيدة : التاء بدل من الدال ، أي كبدوا : أصابهم داء في أكبادهم. قيل : والذين من قبلهم منافقو الأمم. قيل : وكبتوا بمعنى سيكبتون ، وهي بشارة للمؤمنين بالنصر. وعبر بالماضي لتحقق وقوعه ، وتقدّم الكلام في مادة كبت في آل عمران.
(وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصحة ما جاء به. (وَلِلْكافِرِينَ) : أي الذين يحادّونه ، (عَذابٌ مُهِينٌ) : أي يهينهم ويذلهم. والناصب ليوم يبعثهم العامل في للكافرين أو مهين أو اذكر أو يكون على أنه جواب لمن سأل متى يكون عذاب هؤلاء؟ فقيل له : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ) : أي يكون يوم يبعثهم الله ، انتصب (جَمِيعاً) على الحال : أي مجتمعين في صعيد واحد ، أو معناه كلهم ، إذ جميع يحتمل ذينك المعنيين (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) ، تخجيلا لهم وتوبيخا. (أَحْصاهُ) بجميع تفاصيله وكميته