واختار الزمخشري من الأقوال أن تكون (وَالْمُرْسَلاتِ) إلى آخر الأوصاف : إما للملائكة ، وإما للرّياح. فللملائكة تكون عذرا للمحققين ، أو نذرا للمبطلين ؛ وللرّياح يكون المعنى : فألقين ذكرا ، إما عذرا للذين يعتذرون إلى الله تعالى بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها ، وإما إنذارا للذين يغفلون عن الشكر لله وينسبون ذلك إلى الأنواء ، وجعلن ملقيات للذكر لكونهن سببا في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن ، أو كفرت ، قاله الزمخشري. والذي أراه أن المقسم به شيئان ، ولذلك جاء العطف بالواو في (وَالنَّاشِراتِ) ، والعطف بالواو يشعر بالتغاير ، بل هو موضوعه في لسان العرب. وأما العطف بالفاء إذا كان في الصفات ، فيدل على أنها راجعة إلى العاديات ، وهي الخيل ؛ وكقوله :
يا لهف زيابة للحارث فالصا |
|
بح فالغانم فالآيب |
فهذه راجعة لموصوف واحد وهو الحارث. فإذا تقرر هذا ، فالظاهر أنه أقسم أولا بالرياح ، فهي مرسلاته تعالى ، ويدل عليه عطف الصفة بالفاء ، كما قلنا ، وأن العصف من صفات الريح في عدّة مواضع من القرآن. والقسم الثاني فيه ترق إلى أشرف من المقسم به الأول وهم الملائكة ، ويكون (فَالْفارِقاتِ) ، (فَالْمُلْقِياتِ) من صفاتهم ، كما قلنا في عطف الصفات وإلقاؤهم الذكر ، وهو ما أنزل الله ، يصح إسناده إليهم. وقرأ الجمهور : (فَالْمُلْقِياتِ) اسم فاعل خفيف ، أي نطرقه إليهم ؛ وابن عباس : مشدد من التلقية ، وهي أيضا إيصال الكلام إلى المخاطب. يقال : لقيته الذكر فتلقاه. وقرأ أيضا ابن عباس ، فيما ذكره المهدوي : بفتح اللام والقاف مشددة اسم مفعول ، أي تلقته من قبل الله تعالى.
وقرأ إبراهيم التيمي والنحويان وحفص : (عُذْراً أَوْ نُذْراً) بسكون الذالين ؛ وزيد بن ثابت وابن خارجة وطلحة وأبو جعفر وأبو حيوة وعيسى والحسن : بخلاف ؛ والأعشى ، عن أبي بكر : بضمهما ؛ وأبو جعفر أيضا وشيبة وزيد بن علي والحرميان وابن عامر وأبو بكر : بسكونها في عذرا وضمها في نذرا ، فالسكون على أنهما مصدران مفردان ، أو مصدران جمعان. فعذرا جمع عذير بمعنى المعذرة ، ونذرا جمع نذير بمعنى الإنذار. وانتصابهما على البدل من (ذِكْراً) ، كأنه قيل : فالملقيات عذرا أو نذرا ، أو على المفعول من أجله ، أو على أنهما مصدران في موضع الحال ، أي عاذرين أو منذرين. ويجوز مع الإسكان أن يكونا جمعين على ما قررناه. وقيل : يصح انتصاب (عُذْراً) أو (نُذْراً) على المفعول به بالمصدر الذي هو (ذِكْراً) ، أي فالملقيات ، أي فذكروا عذرا ، وفيه بعد لأن المصدر هنا