الذي لا يهتدى لدفعه ، وهي الرزية العظمى تحل بالشخص. (وَأَمَرُّ) من المرارة : استعارة لصعوبة الشيء على النفس. (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) : أي في حيرة وتخبط في الدنيا. (وَسُعُرٍ) : أي احتراق في الآخرة ، جعلوا فيه من حيث مصيرهم إليه. وقال ابن عباس : وخسران وجنون ، والسعر : الجنون ، وتقدم مثله في قصة صالح عليهالسلام. (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) : يجرون (فِي النَّارِ) ، وفي قراءة عبد الله : إلى النار. (عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا) : أي مقولا لهم : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ). وقرأ محبوب عن أبي عمرو : مسقر ، بإدغام السين في السين. قال ابن مجاهد : إدغامه خطأ لأنه مشدد. انتهى. والظن بأبي عمرو أنه لم يدغم حتى حذف إحدى السينين لاجتماع الأمثال ، ثم أدغم.
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، قراءة الجمهور : كل شيء بالنصب. وقرأ أبو السمال ، قال ابن عطية وقوم من أهل السنة : بالرفع. قال أبو الفتح : هو الوجه في العربية ، وقراءتنا بالنصب مع الجماعة. وقال قوم : إذا كان الفعل يتوهم فيه الوصف ، وأن ما بعده يصلح للخبر ، وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر ، اختير النصب في الاسم الأول حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف ، ومنه هذا الموضع ، لأن في قراءة الرفع يتخيل أن الفعل وصف ، وأن الخبر يقدر. فقد تنازع أهل السنة والقدرية الاستدلال بهذه الآية. فأهل السنة يقولون : كل شيء فهو مخلوق لله تعالى بقدرة دليله قراءة النصب ، لأنه لا يفسر في مثل هذا التركيب إلا ما يصح أن يكون خبرا لو وقع الأول على الابتداء. وقالت القدرية : القراءة برفع كل ، وخلقناه في موضع الصفة لكل ، أي إن أمرنا أو شأننا كل شيء خلقناه فهو بقدر أو بمقدار ، على حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك. وقال الزمخشري : (كُلَّ شَيْءٍ) منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر. وقرىء : كل شيء بالرفع ، والقدر والقدر هو التقدير. وقرىء : بهما ، أي خلقنا كل شيء مقدرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة ، أو مقدرا مكتوبا في اللوح ، معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه. انتهى. قيل : والقدر فيه وجوه : أحدها : أن يكون بمعنى المقدار في ذاته وصفاته. والثاني : التقدير ، قال تعالى : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (١). وقال الشاعر :
وما قدّر الرحمن ما هو قادر
أي ما هو مقدور. والثالث : القدر الذي يقال مع القضاء ، يقال : كان ذلك بقضاء الله وقدره ، والمعنى : أن القضاء ما في العلم ، والقدر ما في الإرادة ، فالمعنى في الآية :
__________________
(١) سورة المرسلات : ٧٧ / ٢٣.