الدنيا من الظفر ، ولما ادخر له من الثواب. واللام في (وَلَلْآخِرَةُ) لام ابتداء أكدت مضمون الجملة ، وكذا في (وَلَسَوْفَ) على إضمار مبتدأ ، أي ولأنت سوف يعطيك.
ولما وعده هذا الموعود الجليل ، ذكره بنعمه عليه في حال نشأته. (أَلَمْ يَجِدْكَ) : يعلمك ، (يَتِيماً) : توفي أبوه عليه الصلاة والسلام وهو جنين ، أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثماني سنين ، فكفله عمه أبو طالب فأحسن تربيته. وقيل لجعفر الصادق : لم يتم النبي صلىاللهعليهوسلم من أبويه؟ فقال : لئلا يكون عليه حق لمخلوق. قال الزمخشري : ومن يدع التفاسير أنه من قولهم درّة يتيمة ، وأن المعنى : ألم يجدك واحدا في قريش عديم النظير فاواك ، انتهى. وقرأ الجمهور : (فَآوى) رباعيا ؛ وأبو الأشهب العقيلي : فأوى ثلاثيا ، بمعنى رحم. تقول : أويت لفلان : أي رحمته ، ومنه قول الشاعر :
أراني ولا كفران لله أنه |
|
لنفسي قد طالبت غير منيل |
(وَوَجَدَكَ ضَالًّا) : لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى ، لأن الأنبياء معصومون من ذلك. قال ابن عباس : هو ضلاله وهو في صغره في شعاب مكة ، ثم رده الله إلى جده عبد المطلب. وقيل : ضلاله من حليمة مرضعته. وقيل : ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب ، ولبعض المفسرين أقوال فيها بعض ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولقد رأيت في النوم أني أفكر في هذه الجملة فأقول على الفور : (وَوَجَدَكَ) ، أي وجد رهطك ، (ضَالًّا) ، فهداه بك. ثم أقول : على حذف مضاف ، نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١). وقرأ الجمهور : (عائِلاً) : أي فقيرا. قال جرير :
الله نزل في الكتاب فريضة |
|
لابن السبيل وللفقير العائل |
كرر لاختلاف اللفظ. وقرأ اليماني : عيّلا ، كسيّد ، بتشديد الياء المكسورة ، ومنه قول أجيحة بن الحلاج :
وما يدري الفقير متى غناه |
|
وما يدري الغني متى يعيل |
عال : افتقر ، وأعال : كثر عياله. قال مقاتل : (فَأَغْنى) رضاك بما أعطاك من الرزق. وقيل : أغناك بالقناعة والصبر. وقيل : بالكفاف. ولما عدد عليه هذه النعم الثلاث ، وصاه بثلاث كأنها مقابلة لها. (فَلا تَقْهَرْ) ، قال مجاهد : لا تحتقره. وقال ابن سلام : لا تستزله. وقال سفيان : لا تظلمه بتضييع ماله. وقال الفراء : لا تمنعه حقه ، والقهر هو التسليط بما
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٨٢.