جهات متعددة ، وشجرة الفاكهة بالنسبة إلى ثمرتها حقيرة ، فنص على ما يعظم به الانتفاع من شجرة النخل ومن الفاكهة دون شجرتها.
وقرأ الجمهور : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) ، برفع الثلاثة عطفا على المرفوع قبله ؛ وابن عامر وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بنصب الثلاثة ، أي وخلق الحب. وجوزوا أن يكون (وَالرَّيْحانُ) حالة الرفع وحالة النصب على حذف مضاف ، أي وذو الريحان حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ؛ وحمزة والكسائي والأصمعي ، عن أبي عمرو : والريحان بالجر ، والمعنى : والحب ذو العصف الذي هو علف البهائم ، والريحان الذي هو مطعم الناس ، ويبعد دخول المشموم في قراءة الجر ، وريحان من ذوات الواو. وأجاز أبو علي أن يكون اسما ، ووضع موضع المصدر ، وأن يكون مصدرا على وزن فعلان كاللبان. وأبدلت الواو ياء ، كما أبدلوا الياء واوا في أشاوى ، أو مصدرا شاذا في المعتل ، كما شذ كبنونة وبينونة ، فأصله ريوحان ، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار ريحان ، ثم حذفت عين الكلمة ، كما قالوا : ميت وهين.
ولما عدد تعالى نعمه ، خاطب الثقلين بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، أي أن نعمه كثيرة لا تحصى ، فبأيها تكذبان؟ أي من هذه نعمه لا يمكن أن يكذب بها. وكان هذا الخطاب للثقلين ، لأنهما داخلان في الأنام على أصح الأقوال. ولقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) ، و (خَلَقَ الْجَانَ) ؛ ولقوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) ، وقد أبعد من جعله خطابا للذكر والأنثى من بني آدم. وأبعد من هذا قول من قال : إنه خطاب على حد قوله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (١) ، ويا حرسيّ اضربا عنقه ، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين ، فبأي منونا في جميع السورة ، كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه (آلاءِ رَبِّكُما) بدل معرفة من نكرة ، وآلاء تقدم في الأعراف أنها النعم ، واحدها إلى وألا وإلى وألى.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ) : لما ذكر العالم الأكبر من السماء والأرض وما أوجد فيها من النعم ، ذكر مبدأ من خلقت له هذه النعم ، والإنسان هو آدم ، وهو قول الجمهور. وقيل : للجنس ، وساغ ذلك لأن أباهم مخلوق من الصلصال. وإذا أريد بالإنسان آدم ، فقد جاءت غايات له مختلفة ، وذلك بتنقل أصله ؛ فكان أولا ترابا ، ثم طينا ، ثم حمأ مسنونا ، ثم صلصالا ، فناسب أن ينسب خلقه لكل واحد منها. والجان هو أبو الجن ، وهو إبليس ، قاله
__________________
(١) سورة ق : ٥٠ / ٢٤.