بها كما أقررتم ، فهو حض على التصديق. (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (١) ، أو : (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) به ، ثم حض على التصديق على وجه تقريعهم بسياق الحجج الموجبة للتصديق ، وكان كافرا ، قال : ولم أصدق؟ فقيل له : أفرأيت كذا مما الإنسان مفطور على الإقرار به؟ فقال : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) ، وهو المني الذي يخرج من الإنسان ، إذ ليس له في خلقه عمل ولا إرادة ولا قدرة. وقال الزمخشري : يخلقونه : تقدرونه وتصورونه. انتهى ، فحمل الخلق على التقدير والتصوير ، لا على الإنشاء. ويجوز في (أَأَنْتُمْ) أن يكون مبتدأ ، وخبره (تَخْلُقُونَهُ) ، والأولى أن يكون فاعلا بفعل محذوف ، كأنه قال : أتخلقونه؟ فلما حذف الفعل ، انفصل الضمير وجاء (أَفَرَأَيْتُمْ) هنا مصرحا بمفعولها الأول. ومجيء جملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني على ما هو المقرر فيها ، إذا كانت بمعنى أخبرني. وجاء بعد أم جملة فقيل : أم منقطعة ، وليست المعادلة للهمزة ، وذلك في أربعة مواضع هنا ، ليكون ذلك على استفهامين ، فجواب الأول لا ، وجواب الثاني نعم ، فتقدر أم على هذا ، بل أنحن الخالقون فجوابه نعم. وقال قوم من النحاة : أم هنا معادلة للهمزة ، وكان ما جاء من الخبر بعد نحن جيء به على سبيل التوكيد ، إذ لو قال : أم نحن ، لوقع الاكتفاء به دون ذكر الخبر. ونظير ذلك جواب من قال : من في الدار؟ زيد في الدار ، أو زيد فيها ، ولو اقتصر في الجواب على زيد لاكتفى به. وقرأ الجمهور : (ما تُمْنُونَ) بضم التاء ؛ وابن عباس وأبو السمال : بفتحها. والجمهور : (قَدَّرْنا) ، بشد الدال ؛ وابن كثير : يخفها ، أي قضينا وأثبتنا ، أو رتبنا في التقدم والتأخر ، فليس موت العالم دفعة واحدة ، بل بترتيب لا يتعدى.
ويقال : سبقته على الشيء : أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه ، والمعنى : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) : أي نحن قادرون على ذلك ، لا تغلبوننا عليه ، إن أردنا ذلك. وقال الطبري : المعنى نحن قادرون ، (قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) ، (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) : أي بموت طائفة ونبدلها بطائفة ، هكذا قرنا بعد قرن. انتهى. فعلى أن نبدل متعلق بقوله : (نَحْنُ قَدَّرْنا) ، وعلى القول الأول متعلق (بِمَسْبُوقِينَ) ، أي لا نسبق. (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) ، وأمثالكم جمع مثل ، (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) من الصفات : أي نحن قادرون على أن نعدمكم وننشىء أمثالكم ، وعلى تغيير أوصافكم مما لا يحيط به فكركم. وقال الحسن : من كونكم قردة وخنازير ، قال ذلك لأن الآية تنحو إلى
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٨٧.