.................................................................................................
______________________________________________________
ـ وهو وارد مورد الذم خرج منه ما أجمع على رجحانه فيبقى غيره تحت العموم ، ولأن في النكاح تعريضا لتحمل حقوق الزوجة والاشتغال عن كثير من المقاصد الدينية فالأولى تركه إلا مع خشية العنت فيستحب لمكان الحاجة.
وفيه : بأن المدح ليحيى مختص بشرعه فلا يلزمنا مثله ، وهو ضعيف لأن المدح في كتابنا وهو مشعر برجحانه ولم يثبت نسخه ، لأن شريعتنا ناسخة للشرائع السابقة من حيث المجموع لا من حيث الجميع للقطع ببقاء الكثير من الأحكام كأكل الطيبات ونكاح الحلال وغيرها ، فوروده في شرعنا وكتابنا من دون الإشارة إلى نسخه دليل على بقائه فيه وإلا لم يحسن مدحه عندنا.
وأجيب أيضا بأنه كان مكلفا بإرشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضي للسياحة ومفارقة الزوجة المنافي لرجحان التزويج ، فلذلك مدحه على تركه ، لا لأن ترك التزويج من حيث هو كذلك مطلوب حتى يدل على مرجوحيته.
وأجيب بأن المحصور كما عن الكثير من المفسرين أنه المبالغ في حبس النفس عن الشهوات والملاهي ، وهو من الحصر بمعنى الحبس ، فمدحه باعتبار تنكبه عن الشهوات وإعراضه عن الملاهي والملذات كما هو المعهود من حاله ، ففي الخبر عن الإمام العسكري عليهالسلام (ما من عبد لله إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة ما خلا يحيى بن ذكريا عليهالسلام فلم يذنب ولم يهمّ بذنب) (١) وهو عكس المعهود من غيره من غير المعصومين الذين زيّن لهم حب الشهوات كما هو مقتضى الآية المتقدمة.
والأولى في الجواب هو أن مدحه عليهالسلام ليس على ترك التزويج حتى يدل على مرجوحيته ، بل على انكسار الشهوة الطبيعية في النفس لغلبة الخوف واستيلاء الخشية عليه ، ولا ريب في حسن ذلك ومدحه وإن أدى إلى ترك التزويج المطلوب ، وتأدية الشيء إلى ترك أمر مطلوب لا ينافي حسنه ، لتمانع أكثر الطاعات مع اتصاف جميعها بالحسن.
وأما آية زين للناس حب الشهوات فهي تفيد الذم لمن اتبع ما تهواه نفسه من حب الشهوات المذكورة ، وليست الآية شاملة لمن تزوج على الوجه الشرعي لإرادة النسل والذرية ورفع الوحشة من الوحدة والإعانة على كثير من الطاعات والعبادات ، والجواب على دليلهم الثالث أن تحمل الحقوق الحاصلة بالتزويج يزيد في الأجر المترتب عليه أو في ـ
__________________
(١) البحار ج ١٤ ص ١٨٦.