بطحاء مكّة فخرج من ظهري نوران أحدهما يأخذ المشرق والآخر المغرب وان النورين استدارا في ظهري كأسرع من طرف العين.
فقال له : ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك خير العالمين.
وبقي عبد الله على ذلك زمانا ودهرا ليس لنساء قريش تشوّق ولا همّة غيره.
وقدم عليه بعد ذلك سبعون حبرا من يهود الشام فتحالفوا أن لا يخرجوا أو يقتلوا عبد الله فجاءوا معهم بسبعين سيفا مسقاة سمّا فجعلوا يسيرون الليل ويكمنون النهار حتى نزلوا بفناء مكّة وأقاموا. فلما كان في بعض الأيام خرج عبد الله الى الصيد وحيدا فأصاب الأحبار منه خلوة فأحدقوا به ليقتلوه فلما نظر الى ذلك وهب بن عبد مناف الزهري وهو أبو آمنة أم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أدركته الحمية فقال : سبعون رجلا يحدقون برجل واحد من أهل مكّة لا ناصر له ولا معين أشهد لأنصرنه عليهم.
قال : فحمل من مكانه لنصرة عبد الله على اليهود فحانت منه التفاتة فنظر الى رجال لا يشبهون رجال الدّنيا ينزلون على الأرض من السماء فحملوا على اليهود فقطعوهم إربا إربا.
فلما نظر وهب الى ذلك رجع إلى أهله مبادرا فخبرها بالخبر وقال انطلقي الى عبد المطلب فاعرضي عليه ابنتك لابنه عبد الله لعلّه يتزوّجها قبل أن يسبقنا إليه قوم آخرون فتكون الحسرة الكبرى والمصيبة العظمى.
فجاءت (برة) الى عبد المطلب فعرضت ابنتها عليه وهي (آمنة) فقال عبد المطلب : لقد عرضت امرأة لا يصلح لا بني من النساء غيرها. فزوّجها إيّاه على مائة ناقة حمراء فلما ابتنى عبد الله (بآمنة) مرض نساء قريش وتلف خلق منهنّ ومن غيرهن أسفا إذ لم يتزوجهن عبد الله.
وأعطى الله عز وجل آمنة بنت وهب من النور والجمال والبهاء والكمال ما كانت تدعى سيدة قومها.
وبقي عبد الله على ذلك سنين ونور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بين عينيه لا يخرج الى بطن زوجته حتى أذن الله عز وجل لذلك النور أن ينزل من ظهر عبد الله الى بطن آمنة في ذي الحجة