أيها الناس أن أوّل قتيل بغى على وجه الأرض عناق بنت آدم خلق الله لها عشرين اصبعا لكلّ اصبع فيها ظفران كالمنجلين الطويلين من حديد وكان مجلسها على جريب من الأرض فبغت في الأرض ثمانين سنة فلما أراد الله هلاكها خلق لها أسدا مثل الفيل وذئبا مثل الحمار الكبير ونسرا مثل البعير فسلّطهم عليها فمزقوها فقتلوها وأكلوها ثم قتل الله الجبابرة في زمانها ، وقد اهلك الله فرعون وهامان وخسف بقارون وقد قتل عثمان وكان لي حق حازه من لم آمنه عليه ولم اشركه فيه فهو منه على شفا حفرة من النار لا يستنفذه منها إلّا نبي مرسل يتوب على يديه ولا نبي بعد محمّد صلّى الله عليه وآله.
ثم قال : أيها الناس! الدّنيا دار حق وباطل ولكل أهل. ألا ولئن غلب الباطل فقديما كان ، ولئن قلّ الحق وضعف صاحبه فليس بما عاد ، ولئن رد عليكم أمركم انّكم لسعداء ولقد خشيت أن تكونوا في فترة من الزمن اما اني لو أشاء أن أقول لقلت سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همّته بطنه ، يا ويحه لو قص جناحه وقطع رأسه كان خيرا له ، شغل عن الجنّة والنار امامه.
ثم قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة :
ان الله جل وعلا أدّب هذه الامّة بالسيف والسوط فاستتروا ببيوتكم وأصلحوا ذات بينكم فان التوبة من ورائكم ، من أبدى صفحته للحق هلك ، ألا وان كلّ قطيعة أقطعها عثمان ـ أو قال أعطاه ـ من مال الله فهو مردود على بيت مال المسلمين فان الحقّ قديم لا يبطله شيء ولو وجدته تفرّق في البلدان لرددته فان في الحق سعة ، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
ثم استأذنه طلحة والزبير في الخروج الى مكّة وكانا أوّل من بايعه ومدا يده وصفقا عليها ومسحاها فاذن لهما وحذّرهما النكث والغدر وجدّد عليهما بيعته وذكّرهما ما سمعاه من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله لهما وله بحضرتهما : انّك تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.
وقد روي في قتالهم ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وآله رواه الخاص والعام ولا يدفع ذلك إلّا معاند ، فخرجا الى مكّة فألّبا عليه الناس وأخرجا عائشة الى البصرة وقد