فلم يجيبوه فلم يزل يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة كلّما مضى منهم قرن تبعهم قرن على ملّة آبائهم وكان اسمه عبد الغفّار وإنمّا سمّي نوحا لأنّه كان ينوح على قومه إذا كذّبوه وكان الذي آمن به العقب من ولد هبة الله والذين كذّبوه العقب من ولد قابيل وعوج ابن عناق بني عمّهم مع كثرتهم وعظم أمرهم وسلطانهم في الأرض وكانوا إذا دعاهم يقولون له : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون؟ يعنون العقب من ولد شيث ، يعيّرونهم بالفقر والفاقة وأنّه لا مال لهم ولا عزّ ولا سلطان في الأرض.
وكانت شريعة نوح عليه السّلام التوحيد وخلع الانداد والفطرة والصيام والصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبعث بعد أن صارت ثمانمائة وخمسين سنة يدعوهم فلا يزيدهم دعاؤه إلّا فرارا منه وطغيانا. فلمّا طال عليه تكذيب قومه وطال على شيعته الأمد صاروا إليه فقالوا له : يا نبي الله قد كنّا نتوقع الفرج بظهورك فنحن على مثل تلك الحال فادع الله لنا أن يفرّج عنّا فناجى نوح ربّه.
فأوحى الله إليه : مر شيعتك فليأكلوا التمر ويغرسوا النوى فاذا صار نخلا فرّجت عنكم.
فأمرهم بذلك.
فارتد من أصحابه الثلث وبقي الثلثان صابرين فأكلوا التمر وغرسوا النوى وجلسوا يحرسون نباته وحمله حتى إذا حمل بعد سنين كثيرة أخذوا من ثمره وصاروا به الى نوح مستبشرين.
فناجى الله في ذلك.
فأوحى الله إليه : مرهم فليأكلوا من هذا التمر وليغرسوا النوى فإذا أنبتت وأثمر فرّجت عنهم.
فأخبرهم بذلك فارتد الثلثان وبقي الثلث صابرين.
فأكلوا تلك الثمرة وغرسوا النوى ولم يزالوا يحرسونه عدّة من السنين حتى أثمر ثم أتوا نوحا عليه السّلام فقالوا له يا رسول الله قد تفانينا وتهافتنا فلم يبق منا إلّا القليل وقد أدركت