قال خليفة بن خياط (١) :
فحدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن إسحاق أن يزيد بن الوليد قام خطيبا (٢) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد أيها الناس ، إني والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء نفسي ولا تزكية عملي ، وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي ولكني خرجت غضبا لله ودينه ، وداعيا إلى كتابه وسنة نبيه حين درست معالم الهدى ، وطفئ نور أهل التقوى ، وظهر الجبار العنيد ، المستحل الحرمة ، والراكب البدعة ، والمغيّر السنة ، فلما رأيت ذلك أشفقت إذ غشيتكم ظلمة لا تقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم ، وقسوة من قلوبكم ، وأشفقت أن يدعوا كثيرا من الناس إلى ما هو عليه ، فيجيبه من أجابه منكم ، فاستخرت الله في أمري ، وسألته ألا يكلني إلى نفسي ، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهلي وأهل ولايتي ، وهو ابن عمي في نسبي وكفئي في حسبي ، فأراح الله منه العباد ، وطهر منه البلاد ، ولاية من الله وعونا بلا حول منا ولا قوة ، ولكن بحول الله وقوّته وولايته وعونه. أيها الناس ، إن لكم عندي إن وليت أموركم ألا أضع لبنة على لبنة ، ولا حجرا على حجر ، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسد ثغرة ، وأقسم بين مسالحه (٣) ما يقوون به ، فإن فضل فضل رددته إلى البلد الذي يليه وهو أحوج إليه حتى تستقيم المعيشة بين المسلمين وتكونوا فيها سواء ، ولا أجمر (٤) بعوثكم فتفتتنوا ويفتتن أهاليكم ، فإن أردتكم بيعتي على الذي بذلت لكم فأنا لكم به ، وإن ملت فلا بيعة لي عليكم ، وإن رأيتم أحدا هو أقوى عليها مني فأردتم بيعته فأنا أول من بايع ودخل في طاعته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم].
[روى عنه الأوزاعي مسألة في السلم.
كان عادلا محبا للخير مبغضا للشر ، قاصدا للحق.
__________________
(١) خطبة يزيد بن الوليد استدركت عن تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٣٦٥ وانظر تاريخ الإسلام (١٢١ ـ ١٤٠) ص ٣١١ وسير الأعلام ٥ / ٣٧٥ والعقد الفريد ٤ / ٩٥ والبيان والتبيين ٢ / ١٤١ والبداية والنهاية ٦ / ٥١٨.
(٢) وذلك بعد قتل ابن عمه الوليد بن يزيد.
(٣) المسالح جمع مسلحة ، الثغر. (القاموس المحيط).
(٤) جمّر الجيش : حبسهم في أرض العدو ولم يقفلهم.