ازدحم الناس عشية في دار يوسف ، وهم يتعشون ، فدفع رجل من أهل الشام (١) رجلا بقائم سيفه. ورآه يوسف فضربه مائتين ، وقال : يا ابن اللخناء ، تدفع الناس عن طعامي!؟
قال (٢) : ودخل عبد أسود مقيّد دار يوسف ، والناس يأكلون ، فدفعه رجل ، ونظر إليه يوسف ، فصاح به : دعه (٣). فجلس يأكل مع الناس. ودعا بالأسود حين فرغوا ، فأمر بحلّ قيده ، وأمر رجلا أن يشتريه ، وقال للأسود : إن باعك مولاك فأنت لنا ، وإن لم يرد بيعك فاحضر طعامنا كلّ يوم. وانطلق الرجل مع المقيّد ، فاشتراه ، فأعتقه يوسف.
وقال الحجاج :
حضرت طعام يوسف ، فكنت أعتذر ، فقال : يا حجاج ، كل كما تأكل الرجال ، قلت : إنّ غلامي جاءني بحبارى (٤) قد صاده ، فأكلت منه ، فقال للحاجب : لا أرى وجهه! فحجبت. وكلّمت غير واحد ليشفع لي ، فلم أكلّم أحدا إلّا قال : لا أتعرّض ليوسف. فرفعت قصّة ، وقعدت في أصحاب الحوائج ، فلمّا دنوت قال : ما فعل الحبارى؟ قلت : لا آكل حبارى أبدا. فقال للحاجب : أعده كما كان. قال : فكنت أتجوّع ، وأحضر طعامه ، فإذا رآني آكل ضحك.
قال وهب بن جرير (٥) حدّثنا حيان بن زهير ، أبو زهير العدوي ، حدّثنا أبو الصيداء صالح بن طريف قال :
لمّا قدم يوسف بن عمر العراق ، فأتاهم خبره بخراسان ، بكى أبو الصّيداء صالح بن طريف ، فاشتد بكاؤه ، وقال : هذا الخبيث ، شهدته ضرب وهب بن منبّه حتّى قتله.
قال محمّد بن جرير (٦) :
قيل إنّ يزيد بن الوليد دعا مسلم بن ذكوان ، ومحمّد بن سعيد بن مطرّف الكلبي ،
__________________
(١) في تاريخ الإسلام : رجل من الجند.
(٢) الخبر في أنساب الأشراف ٩ / ١١٣ باختلاف الرواية.
(٣) في أنساب الأشراف : فضربه مائة سوط.
(٤) الحبارى طائر أكبر من الدجاج الأهلي وأطول عنقا.
(٥) من طريقه رواه الذهبي في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ١٢١ ـ ١٤٠) ص ٣١٧ وسير الأعلام ٥ / ٤٤٣.
(٦) رواه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه ٧ / ٢٧٤ ونقلا عن الطبري في تاريخ الإسلام (١٢١ ـ ١٤٠) ص ٣١٧ ـ ٣١٨.