الديار المباركة الحجازية من تعديات الأشقياء اللئام ، وقد وصلنا الجبل المشار إليه وقت الظهيرة ، وقد اشتدت وطأة الحرارة حتى بلغت الدرجة الخامسة والأربعين ، وقد علا ضجيج الحجيج قائلين : «لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ولما رأيت الناس يأتون من كل فج عميق إلى عرفات تذكرت حينئذ يوم الحشر وأهوال يوم القيامة ، وكيف أن الناس في ذلك اليوم العصيب يحشرون فمنهم الراكب ومنهم الماشي إلى غير ذلك حسب الأعمال حتى أن البعض منهم يكون كالقمر المنير ، ومنهم من يأتي أسرع من البرق ، ومنهم من يأتي زحفا وهم يجأرون إلى الله تعالى عساه أن يحاسبهم حسابا يسيرا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فما كان مني عند مشاهدة هذه الحال إلا أن التجأت إلى الله ذي الجلال والإكرام سائلا منه تعالى أن يقبل حجتي ويصفح عن حوبتي ويغفر لي تلك الآثام ، وقد عممت في دعائي جميع الإسلام امتثالا لأمره عليه الصلاة والسلام ، حيث يقول «إذا دعوتم فعمموا» وفي رواية «إذا دعوتم فاجمعوا فلعل فيمن تجمعون من تنالوا بركته» ولا تسل في ذلك الموقف الرهيب عن فيضان الدموع والذلة والخضوع بين يدي علام الغيوب وغفار الذنوب وستار العيوب جل وعلا. وقد بقينا على هذه الحالة إلى أن آذنت الغزالة بالغروب وإذا بعمود من نور امتد في الأفق وبقي ساعة ، فأيقنت أنه تقدست أسماؤه تجلى على أهل عرفات