أكان لهم ثأر عندي ، أم لكوني بزي أهل العلم الذي أشرتم علي به وهم يأبونه ، أم ما ذا؟ فقال بعضهم : ظنوك بعصابتك البيضاء أحد المتدينة ، وأولئك يستجيزون سفك دماء هؤلاء ، وهؤلاء يثأرون لأنفسهم منهم ، فقلت لهم : ألم تشيروا عليّ أنتم بوضع العمامة بعد نزعها وتقولوا إنا قد بلغنا أرض المتدينة؟ اللهم إني حرت في أمر المتدينة وخصومهم ، ووضع العمامة ونزعها ، واللهم إني أبرأ إليك من استحلال سفك الدماء ، بمجرد اختلاف الأزياء .. وقال آخر : إنهم ظنوك تاجرا بزي أهل العلم ، فقادهم إلى ما حماك الله تعالى منه طمعهم في المال ، قلت : ولكنهم لم يجدوا مني أدنى صعوبة ولا مقاومة فكان حسبهم أن يسلبوني مالي ، ويطلقوا سبيلي ، قالوا : إن وفرة المال ، تغريهم بقتل الرجال ، حتى يطمس الأثر ، وينعدم الخبر! قلت الحمد لله الذي لم أكن موضع ظنهم ، ولا هدف سهمهم ، وهو اللطيف الخبير ، وقد كفانا بنو عطية شر المال ولم يبقوا معنا درهما ولا دينارا ، وكان أصابني تورّم في رجلي من المشي ووجع أليم من الركوب ، وأضيف إلى ذلك هذه الخطوب ، مع تغير الطعام والشراب والمنام والأصحاب والمركوب ، فعظم الأمر علي ، وجالت الدموع في عيني ، وأخذتني من الغربة الوحشة ، ومن هذه الصدف الدهشة ، ونزلنا بعد ساعة عند خوينا الجديد «صالح» من «هتيم» فاستلقيت على الطراحة ، وجلس العرب حولنا ، وهم يسلمون ويتكلمون ، وأنا غير شاعر بما يقولون.