ويونس يقف بحذف الهاء فتقول : ارم ، اغز ، اخش.
قال سيبويه : " وهذه اللغة أقل اللغتين" وإنما سكنوا بغيرها ، لأن الكلمة على أكثر من حرف ، فصار بمنزلة ما كان على حرفين أو ثلاثة من الكلام ، فأمكن أن يبتدأ بمتحرك ويوقف على ساكن ، وذكر سيبويه أن من وقف بالهاء فيما ذكر إذا وصل الكلام ، أسقط الهاء ، لأن الهاء هاء وقف يراد بإدخالها بيان حركة ما قبلها ، فإذا وصلوا الكلام تحرك الحرف الذي قبل الهاء بما وصل به من الكلام الذي بعده واستغني عن الهاء ، كقولك : ارم زيدا واغز بلد الروم واخش عمرا وما أشبه ذلك قال :
" فأما لا تقه من وقيت وإن تع أعه من وعيت ، فإنه يلزمها الهاء في الوقف من تركها في اخش ، لأنه مجحف بها لأنها ذهبت منها الفاء واللام ، فكرهوا أن يسكنوا في الوقف فيقولوا : إن تع أع فيسكنوا العين مع ذهاب حرفين من نفس الحرف ، وإنما ذهبت من نفس الأول حرف وفيه ألف الوصل فهو على ثلاثة وهذا على حرفين وقد ذهب من نفسه حرفان".
قال أبو سعيد : يريد أن قولنا (وعى يعي ووقى يقي) لم يع ولم يق قد ذهبت منه حرفان ، وهو فاء الفعل ولامه ، لأنه من وقى يقي ووعى يعي ، فإثبات الهاء فيه أوجب وألزم من إثباتها في ارم واخش لأن الإجحاف بها أكثر والعوض لها ألزم ، ومن العرب من لا يثبت الهاء في ذلك أيضا لأنه على حرفين : الأول منهما متحرك يبتدأ به ، والثاني ساكن والذي يتكلم بهذا ويحذف الهاء منه أقل ممن يحذف الهاء من ارم واخش ، لأن ارم على ثلاثة أحرف والذاهب منه حرف واحد على ما عرفتك.
قال : " وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون : ادعه من دعوت فيكسرون العين كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة إذ كانت آخر شيء في الكلمة في موضع الجزم) ، فكسروا حيث كانت الدال ساكنة لأنه لا يلتقي ساكنان كما قالوا رد يا فتى ، وهذه لغة رديئة وإنما هي غلط كما قال زهير :
بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (١) |
والرواية الجيدة : ولا سابقا ، والذي يروي ولا سابق يخفضه على أن مدركا فيه الباء مقدرة ، لأن الباء تدخل كثيرا ، فكأنه قال : لست بمدرك ما مضى.
__________________
(١) انظر ديوان زهير بن أبي سلمى ١٦٩ ، كتاب القوافي ٢٥ ، مغني اللبيب ١ / ٩٦.