لأنهن يخالطنها وتتبين عند حروف الحلق لبعدهن عن الخرق الذي تخرج منه الغنة وحروف الشفتين تنطبق عليهن الشفتان فتنحصر الغنة وقد أطبق على الباء فتصير بمنزلة غنة ليس بعدها حرف.
والنون الساكنة إذا لم يكن بعدها حرف كانت من الفم وبطلت الغنة كقولك : عن ومن ونحو ذلك ، مما يوقف عليه من النونان فكانت الميم أسهل عليهم لما فيها من الغنة ولأنها من مخرج الباء من بيانها.
فإن قال قائل : لم لا يوقف على النون الخفية قيل له أصل خروج النون مخلوط بشيء من الغنة من الأنف ، ثم يلحقها في الوقف لانتهاء إلى موضعها من الفم البيان باستقرارها في موضعها من الفم.
وإذا كان بعدها حرف من الخمسة عشر أغني عن ذلك كما أن القاف إذا وقف عليها كانت بعدها صويت هي القلقلة ، وإذا وصلت بطلت ، وأما الهمة التي بين بين سيبويه عدها حرفا واحدا وينبغي عندي في التحقيق أن بعد ثلاثة أحرف وذلك أن همزة بين بين هي الهمزة التي تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها.
فإذا كانت الهمزة مكسورة فجعلتها بين بين فهي بين الهمزة والياء. وإذا كانت مضمومة فجعلت بين بين فهي بين الهمزة والواو وإذا كانت مفتوحة فهي بين الهمزة والواو وإذا كانت مفتوحة فهي بين الهمزة والألف ولما كانت الياء غير الواو ووجب أن يكون الحرف الذي بين الهمزة والياء غير الحرف الذي بين الهمزة والواو.
وكذلك الذي بين الهمزة والألف ، وقد مر الكلام في همزة بين بين في باب الهمز وألف الترخيم يعني الإمالة وسماها ألف الترخيم لأن الترخيم تليين الصوت ونقصان الجهر فيه قال ذو الرمة :
لها بشر مثل الحرير ومنطق |
|
رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر |
وقد مر باب الإمالة وأحكامها.
وأما الشين التي كالجيم كقولك في اشدق اجدق ؛ لأن الدال حرف مجهور شديد والجيم مجهور شديد والشين حرف مهموس رخو فهو ضد الدال بالهمس والرخاوية فقربوها من لفظ الجيم ؛ لأن الجيم قريبة من مخرجها ، وهي موافقة للدال في الشدة والجهر ، وكذلك الصاد كالزاء في مصدر والتصدير ويصدف ونحوه ، وسيأتي ذلك فيما بعد إن شاء الله.