قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ : اعلم أن ما كان على تفاعل أو تفعل فلحقته تاء أخرى للمخاطب أو للمؤنثة جاز حذف إحداهما ؛ فأما سيبويه والبصريون فيقولون : المحذوفة الثانية ، وذلك قولك : ما زيد لا تكلم في هذا ولا تغافل عنه وتقديره لا تتكلم فيه ولا تتغافل عنه وكذلك هند تكلم في هذا وزينب تغافل عنه.
قال الله عزوجل : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) وتقديره : تتنزل وكذلك التقدير تتمنوا في (كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ) وكذلك (لا تَوَلَّوْا عَنْهُ) أصله : تتولوا عنه ، وإنما حذفوا إحداهما استخفافا ؛ لأن لفظهما واحد ؛ فإن انضمت الأولى لم يجز حذف إحداهما ، ولو قلت : تتحمل وتتنازع على ما لم يسم فاعله لم يجز حذف إحداهما لاختلاف الحركتين ، ولأنه يقع لبس بين تتفعل وتفعل.
وقال بعض الكوفيين : التاء المحذوفة هي الأولى ، وقال بعضهم : يجوز أن تكون المحذوفة هي الأولى ويجوز أن تكون الثانية.
قال سيبويه محتجا : لأن المحذوفة هي الثانية قال : وإنما كانت الثانية أولى بالحذف ؛ لأنها هي التي تسكن فتدغم في ازينت وادّارأتم ، لأنها أسكنت وأدغمت وكذلك في تسمعون وتطير للمخاطب ، والمؤنثة الغائبة تدغم التاء الثانية ، وتسلم الأولى ؛ فلما كان الاعتلال يلحقها دون الأولى كان الحذف لها دون الأولى ؛ لأن الحذف كالاعتلال.
قال : وهذه التاء لا تعتل في الذال إذا حذفت الهمزة ، ولا تدغم لأنه يفسد الحرف ويلتبس لو حذفت واحدة منهما يريد أن الذال إذا خففوا همزتها فألقوا حركتها على الدال فصار تدل لم يجز إدغام التاء في الدال ، ولا إدغام الدال في التاء في تدع وهما من مخرج واحد ولو فعلوا ذلك فسد لزوال لفظ الاستقبال.
قال : ولا يسكنون هذه التاء في تتكلمون ونحوها ويلحقون الألف الخفيفة لأن ألف الوصل إنما لحقت واختص بها ما كان في معنى فعل وافعل في الأمر ؛ فأما الأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين فأرادوا أن يخلصوها من باب فعل وافعل ولا يجوز حذف حرف جاء لمعنى المخاطبة ، أو التأنيث ولم تكن لتحذف الدال من نفس الحرف فيفسد الحرف وتخل به ولم يروا ذلك محتملا إذ كان الباين عربيا ؛ فكذلك تركت التاء التي للخطاب والاستقبال وهي الأولى على حالها ، ولم تغير وفي آخر هذا الباب من نسخة أبي بكر مبرمان.
قال : وأما الدكر فإنهم كانوا يقلبونها في مدكر وشبهه يقلبونها هاهنا وقلبها شاذ شبيه بالغلط.