قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ : وفي هذا الكلام أشياء منها أنه ذكر أن تشديد الميم يؤدي نونا ، وقد استقصيت امتحان ذاك فوجدت أن الميم المشددة لا تؤدي إلا ميما ولنفس الميم صوت من الخيشوم أظنه توهم أن ذلك الصوت هو النون وقد يشترك الحرفان والأكثر في شيء يختصان به ويباينان فيه سائر الحروف كاشتراك حروف الصفير.
وحروف الإطباق وحروف الاستعلاء ، وكذلك الميم والنون اشتركا في صوت الخيشوم ، ومنها أنه منع إدغام النون في الباء.
وقد رأينا أحدهما أبدل من الآخر قالوا : الذان والذاب في معنى العيب وأنشدوا :
رددنا الكتيبة مفلولة |
|
بها أفنها وبها ذابها |
ويروى هذا البيت في قصيدة أخرى :
بها أفنها وهاذا أنها
وما قاله الفراء في جواز الإدغام فيما يجوز البدل منه يوجب إدغام النون في الباء ، وقد أباه ومنها أنه يجعل سبب إدغام النون في الميم أن الميم تؤديها.
وقد زعم أن جميع الحروف لا تؤدي غيرها إلا الميم افترى جميع ما أدغم فيه غيره من الحروف لا يؤدي ذلك الحرف الذي أدغم فيه.
قال الفراء : حكى الكسائي أنه سمع العرب تبين اللام يعني لام المعرفة عند كل الحروف إلا عند اللام مثلها ، أو الراء والنون.
قال : يقول بعضهم : الصامت ، ولم أسمعها من العرب ، وكان صد وقافي روايته والذي حكاه الكسائي لم يحكه أيضا البصريون.
وإذا كانت اللام غير لام المعرفة لم يلزم إدغامها في الحروف التي تدغم فيها لام المعرفة وسأذكر بعض ذلك في باب القراءات إن شاء الله.
وذكر الفراء أن العرب كرهوا إدغام الطاء والظاء في تاء افتعل كراهة أن يلتبس بافتعل من الوزن وبابه نحو : اتزن واتعد وقال قالوا : ما ترك جهدا ، وهو يشاكل الافتعال من وزنت ؛ لأنها تاء مع تاء فلا بد من الإدغام ، وإنما فرقوا في الوزن الذي لا يلزمه كل اللزوم إدغام بعضه في بعض لاختلاف لفوظه وهم إذا قارنتها مضطرون إلى الإدغام لسكون الأول ، وحركة الثاني.
قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ : جملة هذا الكلام أن الفراء زعم أن الطاء والظاء لم تدغما في تاء افتعل إذا قيل اطلع واظلم وأصله اطتلع واظتلم ولم يقل اتلع واتلم لئلا يلتبس