حيث ابتليت بإحساس الكفر وهو ظهوره ، وهذه هي قضية كل دعوة أنها إذا بزغت عارضته النكران والمعارضة ، فلا بد للداعية أن يستخلص من الجموع كتلة مؤمنة صامدة ليمضي معهم قدما في دعوته ، فلا تذهب هملا وسدى منذ بدايته ، وكما فعله رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيعة العقبة والرضوان ، تركيزا للطاقات وتجميعا للقوات لاستقامة امر الدعوة.
(رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ٥٣.
وتلك هي غاية الايمان بالرسول ان يكونوا معه أنصارا الى الله ، ايمانا بالله إسلاما لله وايمانا بما انزل الله وبرسول الله ، وقد يكون ذلك الايمان الصامد ايحاء لهم من الله اضافة الى ايمانهم سلفا بالله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) (٥ : ١١١) مما يدل على قمة الإيمان والإسلام بالوحي ، فهم ـ إذا ـ أصبحوا رسلا مع المسيح تحت ظله ، ولا تجد تنديدا بهم في الذكر الحكيم إلّا تبجيلا وتجليلا بمثلث الوحي والإيمان والإسلام.
وترى (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) تعني شهادة الأعمال يوم يقوم الأشهاد ، علّه هو مهما عنت معه سواه ، فكما المسيح شاهد من الشهود يوم يقوم الأشهاد (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) هناك ومنهم السيد المسيح إذ نحن معه أنصار الى الله.
وقد تعني ـ مع ما عنت ـ الشهادة على تبليغ الرسالة بعد ما شهدوا على حقيقتها ، فهذه معية مثلثة بمثلث الشهادات ، بفارق ان العبارة عن الأخريين «من الشاهدين» وتختص «مع» بالأولى.
وقد تعني رابعة هي الشهادة على التوحيد في الشاهدين (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) طلبا ان يكتبهم مع اولي العلم : النبيين ، في تلك الشهادة الغالية.