وقرأ ابن مسعود : الأزقية : واحدة ، من زقا الطائر يزقو ويزقى ، إذا صاح. ومنه المثل: أثقل من الزواقى (خامِدُونَ) خمدوا كما تخمد النار ، فتعود رمادا ، كما قال لبيد :
وما المرء إلّا كالشهاب وضوئه |
|
يحور رمادا بعد إذ هو مناطع (١) |
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٣٠)
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) نداء للحسرة عليهم ، كأنما قيل لها : تعالى يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضرى فيها ، وهي حال استهزائهم بالرسل. والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون ، ويتلهف على حالهم المتلهفون. أوهم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين. ويجوز أن يكون من الله تعالى على سبيل الاستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم ومحنوها به ، وفرط إنكاره له وتعجيبه منه ، وقراءة من قرأ : يا حسرتا ، تعضد هذا الوجه لأن المعنى : يا حسرتى. وقرئ : يا حسرة العباد ، على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم ، من حيث أنها موجهة إليهم. ويا حسرة على العباد : على إجراء الوصل مجرى الوقف.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)(٣٢)
(أَلَمْ يَرَوْا) ألم يعلموا ، وهو معلق عن العمل في (كَمْ) لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها ، كانت للاستفهام أو للخبر ، لأن أصلها الاستفهام ، إلا أن معناه نافذ في الجملة ، كما نفذ في قولك : ألم يروا إن زيدا لمنطلق ، وإن لم يعمل في لفظه. و (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل من (كَمْ أَهْلَكْنا) على المعنى ، لا على اللفظ ، تقديره : ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم
__________________
ـ والأجراز : جمع جرز ، وهي المفازة القفرة ، والعروض : جمع عرض ـ بضم فسكون ـ : أى جنوبها. ويروى : النحز ، بدل الحر ، وهو بنون فمهملة فزاى : النخس والدفع. ويروى «غروض» بغين معجمة : جمع غرض ، كقفل : وهو حزام الرحل ، أراد به الصدر لعلاقة المجاورة. أو هو على حذف مضاف ، أى محل غروضها. ويجوز أنه أراد بما في غروضها الصدر ذاته لا الشحم واللحم. ومعنى الطي التضمير أو الاذهاب على طريق المجاز.
(١) وما المرء إلا كالشهاب وضوئه |
|
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع |
وما المال والأهلون إلا ودائع |
|
ولا بد يوما أن ترد الودائع |
للبيد العامري ، أى : ليس حال المرء وحياته وبهجته ثم موته وفناؤه بعد ذلك إلا مثل حال شهاب النار وضوئه حال كونه يصير رمادا بعد إضاءته. ويمكن أن قوله «يحور رمادا» استئناف مبين لوجه للشبه ، وذلك تشبيه هيئة ولا يصح تشبيه المرء بالشهاب وضوئه ، وشبه مال الشخص وأقاربه بالودائع تشبيها بليغا ، يجامع أنه لا بد من أخذ كل ، وبين ذلك بقوله : ولا بد أن ترد الودائع في يوم من الأيام.