الولد والشريك ، وقالوا : هؤلاء شفعاؤنا ، وقالوا : (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) ، وقالوا (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) ولا يبعد عنهم قوم يسفهونه بفعل القبائح (١) ، وتجويز أن يخلق خلقا لا لغرض ، ويؤلم
__________________
وسنقيم عليه حد الرد ، لأنه قد أبدى صفحته ، ولو لا شرط الكتاب لأضربنا عنه صفحا ولوينا عن الالتفات إليه كشحا ، وبالله التوفيق فنقول : أما تعريضه بأن أهل السنة يعتقدون أن القبائح من فعل الله تعالى ، فيرجمه باعتقادهم المشار إليه قوله تعالى بعد آيات من هذه السورة (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أما الزمخشري وإخوانه القدرية ، فيغيرون وجه هذه الآية ويقولون : ليس خالق كل شيء ، لأن القبائح أشياء وليست مخلوقة له. فاعتقدوا أنهم نزهوا ، وإنما أشركوا. وأما تعريضه لهم في أنهم يجوزون أن يخلق خلقا لا لغرض ، فذلك لأن أفعاله تعالى لا تعلل ، لأنه الفعال لما يشاء. وعند القدرية ليس فعالا لما يشاء ؛ لأن الفعل إما منطو على حكمة ومصلحة ، فيجب عليه أن يفعله عندهم ، وإما عار عنها فيجب عليه أن لا يفعله فأين أثر المشيئة إذا. وأما اعتقاده أن في تكليف مالا يطاق تظليما لله تعالى ، فاعتقاد باطل ، لأن ذلك إنما ثبت لازما لاعتقادهم أن الله تعالى خالق أفعال عبيده ، فالتكليف بها تكليف بما ليس مخلوقا لهم ، والقاعدة الأولى حق ، ولازم الحق حق ، ولا معنى للظلم إلا التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، والعباد ملك الله تعالى ، فكيف يتصور حقيقة الظلم منه ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وأما تعريضه بأنهم يجوزون أن يؤلم لا لعوض ، فيقال له : ما قولك أيها الظنين في إيلام البهائم والأطفال ، ولا أعواض لها ، وليس مرتبا على استحقاق سابق خلافا للقدرية إذ يقولون : لا بد في الألم من استحقاق سابق أو عوض. وأما اعتقاده أن تجويز رؤية الله تعالى يستلزم اعتقاد الجسمية ، فانه اغترار في اعتقاده بأدلة العقل المجوزة لذلك ، مع البراءة من اعتقاد الجسمية ، ولم يشعر أنه يقابل بهداية قول نبى الهدى عليه الصلاة والسلام : «إنكم سترون ربكم كالقمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» فهذا النص الذي ينبو عن التأويل ولا يردع المتمسك به شيء من التهويل. وأما قوله إنهم يتسترون بالبلكفة ، فيعنى به قولهم «بلا كيف» أجل إنها لستر لا تهتكه يد الباطل البتراء ، ولا تبعد عن الهدى عين الضلال العوراء. وأما تعريضه بأنهم يجعلون لله أندادا باثباتهم معه قدماء ، فنفى لاثباتهم صفات الكمال ، كلا والله ، إنما جعل لله أندادا القدرية إذ جعلوا أنفسهم يخلقون ما يريدون ويشتهون على خلاف مراد ربهم. حتى قالوا : إن ما شاءوه كان وما شاء الله لا يكون. وأما أهل السنة فلم يزيدوا على أن اعتقدوا أن لله تعالى علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا وكلاما وحياة ، حسبما دل عليه العقل وورد به الشرع وأى مخلص للقدرى إذا سمع قوله تعالى (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) إلا اعتقاد أن لله تعالى علما أو جحد آيات الله وإطفاء نوره ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وأما قوله : إنهم يثبتون لله تعالى يدا وقدما ووجها ، فذلك فرية ما فيها مرية ، ولم يقل بذلك أحد من أهل السنة. وإنما أثبت القاضي أبو بكر صفات سمعية وردت في القرآن : اليدان والعينان والوجه ، ولم يتجاوز في إثباتها ما وردت عليه في كتاب الله العزيز ، على أن غيره من أهل السنة حمل اليدين على القدرة والنعمة ، والوجه على الذات ، وقد مر ذلك في مواضع من الكتاب ، فقد اتصف في هذه المباحثة بحال من بحث بظلفه على حتفه ، وتعريضه معتقده الفاسد لهتك ستره وكشفه ، وإنما حملني على إغلاظ مخاطبته الغضب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأهل سنته ، فانه قد أسناء عليهم الأدب ، ونسيهم بكذبه إلى الكذب ، والله الموفق.
(١) قوله «قوم يسفهونه بفعل القبائح» يريد بهم أهل السنة ، حيث ذهبوا إلى أنه تعالى هو الخالق لأفعال العباد ولو معاصى ، وأن فعله لا لغرض بل لحكمة ، وإيلام الأطفال لا يستوجب عليه عوضا ، وتظليمه نسبته إلى الظلم بتجويز تكليف المحال كما في علم الأصول ، وجوزوا عليه الرؤية وهي غير مختصة بالأجسام عندهم ، وجوز السلف أن يكون له يد ونحوها ، لكن لا كالأيدى. وأراد بالقدماء صفات المعاني : كالقدرة والارادة ، حيث قال أهل السنة : إنها موجودة بوجودات زائدة على وجود الذات ، وتحقيق ذلك في التوحيد والأصول ، فانظره. والبلكفة : قولهم «بلا كيف». (ع)