إليه عربى ، وذلك لأن مبنى الإنكار على تنافر حالتي الكتاب والمكتوب إليه ، لا على أن المكتوب إليه واحد أو جماعة ، فوجب أن يجرّد لما سيق إليه من الغرض ، ولا يوصل به ما يخل غرضا آخر. ألا تراك تقول ـ وقد رأيت لباسا طويلا على امرأة قصيرة : ـ اللباس طويل واللابس قصير. ولو قلت : واللابسة قصيرة ، جئت بما هو لكنة وفضول قول ، لأنّ الكلام لم يقع في ذكورة اللابس وأنوثته ، إنما وقع في غرض وراءهما (هُوَ) أى القرآن (هُدىً وَشِفاءٌ) إرشاد إلى الحق وشفاء (لِما فِي الصُّدُورِ) من الظن والشك. فإن قلت : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) منقطع عن ذكر القرآن ، فما وجه اتصاله به؟ قلت : لا يخلو إما أن يكون (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) في موضع الجر معطوفا على قوله تعالى (لِلَّذِينَ آمَنُوا) على معنى قولك : هو للذين آمنوا هدى وشفاء ، وهو للذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ، إلا أنّ فيه عطفا على عاملين وإن كان الأخفش يجيزه. وإمّا أن يكون مرفوعا على تقدير : والذين لا يؤمنون هو في آذانهم وقر (١) على حذف المبتدإ. أو في آذانهم منه وقر. وقرئ : وهو عليهم عم. وعمى ، كقوله تعالى (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ). (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) يعنى : أنهم لا يقبلونه ولا يرعونه أسماعهم ، فمثلهم في ذلك مثل من يصيح به من مسافة شاطة لا يسمع من مثلها الصوت فلا يسمع النداء.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)(٤٥)
(فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فقال بعضهم : هو حق ، وقال بعضهم : هو باطل. والكلمة السابقة : هي العدة بالقيامة ، وأنّ الخصومات تفصل في ذلك اليوم ، ولو لا ذلك لقضى بينهم في الدنيا. قال الله تعالى (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى.
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٤٦)
(فَلِنَفْسِهِ) فنفسه نفع (فَعَلَيْها) فنفسه ضرّ (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ) فيعذب غير المسيء.
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ
__________________
(١) أجاز الزمخشري في الواو في هذه الآية وجهين ، أحدهما : أن تكون الواو لعطف الذين على الذين ، ووقر على هدى وشفاء ، ويكون من العطف على عاملين. قال : وإما أن يكون (الَّذِينَ) مرفوعا على تقدير : والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ، على حذف المبتدإ. أو في آذانهم منه وقر اه قال أحمد : أى وبتقدير الرابط يستغنى عن تقدير المبتدإ.
.