(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ)(٢٦)
(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) أى يستجيب لهم ، فحذف اللام كما حذف في قوله تعالى (وَإِذا كالُوهُمْ) أى يثيبهم على طاعتهم ويزيدهم على الثواب تفضلا ، أو إذا دعوه استجاب دعاءهم وأعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم. وقيل : الاستجابة : فعلهم ، أى يستجيبون له بالطاعة إذا دعاهم إليها (وَيَزِيدُهُمْ) هو (مِنْ فَضْلِهِ) على ثوابهم. وعن سعيد بن جبير : هذا من فعلهم : يجيبونه إذا دعاهم. وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له : ما بالنا ندعو فلا نجاب؟ قال : لأنه دعاكم فلم تجيبوه ، ثم قرأ (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) ، (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا).
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)(٢٧)
(لَبَغَوْا) من البغي وهو الظلم ، أى : لبغى هذا على ذاك ، وذاك على هذا ، لأنّ الغنى مبطرة مأشرة (١) ، وكفى بحال قارون عبرة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : «أخوف ما أخاف على أمّتى زهرة الدنيا وكثرتها» (٢) ولبعض العرب :
وقد جعل الوسمىّ ينبت بيننا |
|
وبين بنى رومان نبعا وشوحطا (٣) |
يعنى : أنهم أحيوا فحدّثوا أنفسهم بالبغي والتفانن. أو من البغي وهو البذخ والكبر ، أى : لتكبروا في الأرض ، وفعلوا ما يتبع الكبر من الغلو فيها والفساد. وقيل : نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى. قال خباب ابن الأرت : فينا نزلت ، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع فتمنيناها (بِقَدَرٍ) بتقدير. يقال قدره قدرا
__________________
(١) قوله «مبطرة مأشرة» في الصحاح : الأشر : البطر. (ع)
(٢) أخرجه الطبري من رواية سعيد عن قتادة قال. ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بهذا ـ وزاد «وكان يقال خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك» وفي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدري. بلفظ «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا»
(٣) يروى : وقد جعل الوسمي أول مطر السنة ، لأنه يسم الأرض بالنبات. والنبع : شجر تتخذ منه القسي. والشوحط مثله ، أى : قد يشرع المطر في إنبات الأشجار بيننا وبينهم. والمعنى : أنهم يطلبون الاقامة حتى تعظم الأشجار بينهم لأنهم أغنياء لا يكثرون الارتحال كغيرهم. أو المعنى : أنهم كانوا إذا جاء الربيع وبلغت تلك الأشجار يتخذون منها الرماح والقسي ، ويتحاربون. فالكلام كناية عن انتشاب الحرب بين القبيلتين ، وهذا هو الذي يعطيه السياق ، وذكر البينية ، وتخصيص ذلك الشجر.