وهو من الأيمان الحسنة البديعة ، لتناسب القسم والمقسم عليه ، وكونهما من واد واحد. ونظيره قول أبى تمام :
وثناياك إنّها إغريض (١)
(الْمُبِينِ) البين للذين أنزل عليهم ، لأنه بلغتهم وأساليبهم. وقيل : الواضح للمتدبرين. وقيل (الْمُبِينِ) الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة ، وأبان ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة (جَعَلْناهُ) بمعنى صيرناه معدّى إلى مفعولين. أو بمعنى خلقناه معدّى إلى واحد ، كقوله تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ). و (قُرْآناً عَرَبِيًّا) حال. ولعلّ : مستعار لمعنى الإرادة (٢) ، لتلاحظ (٣) معناها ومعنى الترجي (٤) ، أى : خلقناه عربيا غير عجمى : إرادة أن تعقله العرب ، ولئلا يقولوا لو لا فصلت آياته ، وقرئ : أمّ الكتاب بالكسر وهو اللوح ، كقوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) سمى بأم الكتاب ، لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ. على رفيع الشأن في الكتب ، لكونه معجزا من بينها (حَكِيمٌ) ذو حكمة بالغة ، أى : منزلته عندنا منزلة كتاب هما صفتاه ، وهو مثبت في أم الكتاب هكذا.
(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ)(٥)
__________________
ـ مرجو به أن يعقل به العالمون ، أى : يتعقلوا آيات الله تعالى فكان جواب القسم مصححا للقسم ، وكذلك أقسم أبو تمام بالثنايا ، وإنما يقسم الشعراء بمثل هذا الاشعار بأنه في غاية الحسن ، ثم جعل المقسم عليه كونها في نهاية الحسن ، لا أنها هي أغريض ، وهو من أحسن تشبيهات الثايا ، فجعل المقسم عليه مصححا للقسم والله أعلم.
(١) وثناياك إنها إغريض |
|
ولآل نوار أرض وميض |
وأقاح منور في بطاح |
|
هزه في الصباح روض أريض |
لأبى تمام. والاغريض : البرد. والطلع والنوار : كرمان نور الشجر ، واحده نوارة. والوميض : شديد البريق واللمعان. والأقاح : نور أبيض طيب الرائحة. والأريض : طيب الأرض ، فيكون نضرا بهيجا : أقسم بثناياها أى : مقدم أسنانها ، إنها : أى ثناياها إغريض. فالقسم وجوابه متعلقان بشيء واحد ، وشبههما بالبرد وبنوار الأرض الشبيه باللآلئ ، فاضافتها إليه للتشبيه. ووميض : نعت مقطوع للنوار. أو تابع للاغريض ، لكن الأول أجزل ، وشبهه بالأقاح الذي نور في البطاح ، لأنه أنضر وأزهى. وهزه في الصباح من صفة الأقاح «وخص الصباح ليكون على الزهر بقية من الندى ، فيكون في غاية النضرة والزهو. وفيه إيماء لتشبيه قوام محبوبته بأغصان الروض في التمايل وظهور الزهور في أعلى كل منهما ، ولك أن تجعل «وميض» صفة للآلئ ، وإن كانت جمعا ، لأن فعيل بمعنى فاعل قد يعامل معاملته فعيل بمعنى مفعول ، فيطلق على الواحد والمتعدد مذكرا ومؤنثا. ويروى بدل الشطر الثاني : ولآل توم ورق وميض. والتوم : واحده تومة «وهي حبة تعمل من الفضة كالدرة ، ولا إشكال في إعرابه.
(٢) قال محمود : «ولعل مستعار لمعنى الارادة» «فسره بالارادة» قال أحمد : قد بينا فساد ذلك غير ما مرة.
(٣) قوله «لتلاحظ معناها» لعله : ليلاحظ. (ع)
(٤) قوله «ومعنى الترجي» لعله : أو معنى. (ع)