وكلفه أن يسلك في تناولها الطريق التي شرعها ، فإذا سلكها فقد تناول قسمته من المعيشة حلالا ، وسماها رزق الله ، وإذا لم يسلكها تناولها حراما ، وليس له أن يسميها رزق الله (١) ، فالله تعالى قاسم المعايش والمنافع ، ولكن العباد هم الذين يكسبونها صفة الحرمة بسوء تناولهم ، وهو عدولهم فيه عما شرعه الله إلى ما لم يشرعه.
(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)(٣٥)
(لِبُيُوتِهِمْ) بدل اشتمال من قوله (لِمَنْ يَكْفُرُ) ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك : وهبت له ثوبا لقميصه. وقرئ : سقفا ، بفتح السين وسكون القاف. وبضمها وسكون القاف وبضمها : جمع سقف ، كرهن ورهن ورهن. وعن الفراء : جمع سقيفة وسقفا بفتحتين ، كأنه لغة في سقف وسقوفا ، ومعارج ومعاريج. والمعارج : جمع معرج ، أو اسم جمع لمعراج : وهي المصاعد إلى العلالي (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) أى على المعارج ، يظهرون السطوح يعلونها ، فما اسطاعوا أن يظهروه. وسررا ، بفتح الراء لاستثقال الضمتين مع حرفى التضعيف (لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ) اللام هي الفارقة بين إن المخففة والنافية. وقرئ بكسر اللام ، أى : الذي هو متاع الحياة ، كقوله تعالى (مَثَلاً ما بَعُوضَةً) ولما بالتشديد بمعنى إلا ، وإن نافية. وقرئ : إلا. وقرئ : وما كل ذلك إلا. لما قال (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فقلل أمر الدنيا وصغرها : أردفه ما يقرّر قلة الدنيا عنده من قوله (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أى : ولو لا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه ، لجعلنا لحقارة زهرة الحياة الدنيا (٢) عندنا للكفار سقوفا ومصاعد وأبوابا وسررا كلها
__________________
(١) قوله «وليس له أن يسميها رزق الله» هذا على مذهب المعتزلة. وأما عند أهل السنة فالرزق ما ينتفع به ولو حراما. والمصنف يريد أن الله لا ييسر الحرام ، لأنه لا يفعل القبيح عند المعتزلة. ومذهب أهل السنة أن فاعل الكائنات كلها هو الله تعالى. (ع)
(٢) قال محمود : «معناه لو لا كراهية أن يجتمعوا على الكفر لجعلنا للكفرة سقوفا من فضة أى لوسعنا عليهم الدنيا لحقارتها عندنا» قال أحمد : «لو لا» هنا أخت «لو لا» في قوله (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ...) الآية تلك أن تصحح الكلام بتقدير كراهة ذلك بأن لا تقدر محذوفا كما قدمته ، فيكون وجه الكلام هاهنا أن إجماعهم على الكفر مانع من بسط الدنيا. وهذا هو معنى لو لا المطرد أن ما بعدها أبدا مانع من جوابها ، ولكن قد يكون المانع موجودا تحقيقا فيمتنع الجواب بلا إشكال ، كقوله تعالى (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ ـ