الفراء : هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل ، فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ)(٤٧)
ما أجابوه به عند قوله : (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) محذوف ، دل عليه قوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا) وهو مطالبتهم إياه بإحضار البينة على دعواه وإبراز الآية (إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) أى يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرا ، وإذا للمفاجأة. فإن قلت : كيف جاز أن يجاب لما بإذا المفاجأة؟ قلت : لأنّ فعل المفاجأة معها مقدّر. وهو عامل النصب (١) في محلها ، كأنه قيل : فلما جاءهم بآياتنا فاجئوا وقت ضحكهم.
(وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٤٨)
فإن قلت : إذا جاءتهم آية واحدة من جملة التسع فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات؟ قلت : أختها التي هي آية مثلها. وهذه صفة كل واحدة منها فكان المعنى على أنها أكبر من بقية الآيات على سبيل التفصيل والاستقراء واحدة بعد واحدة ، كما تقول : هو أفضل رجل رأيته ، تريد : تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهم إذا قروتهم رجلا رجلا (٢) ، فإن قلت : هو كلام متناقض ، لأنّ معناه : ما من آية من التسع إلا هي أكبر من كل واحدة منها ، فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة. قلت : الغرض بهذا الكلام أنهنّ موصوفات بالكبر ، لا يكدن يتفاوتن فيه ، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير أن تختلف آراء الناس في تفضيلها ، فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك ، فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا : رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض ، وربما اختلفت آراء الرجل
__________________
(١) قال محمود : «جازت فيه إجابة لما بإذا التي المفاجأة لأن فعل المفاجأة مقدر معها وهو العامل فيها النصب ... الخ» قال أحمد : الظاهر في تسويغ هذا الإطلاق ـ والله أعلم : أن كل واحدة من هذه الآي إذا أفردتها بالفكر استغرقت عظمتها الفكر وبهرته ، حتى يجزم أنها النهاية ، وأن كل آية دونها. فإذا نقل الفكرة إلى أختها استوعيت أيضا فكره بعظمها ، وذهل عن الأولى فجزم بأن هذه النهاية ، وأن كل آية دونها. والحاصل أنه لا يقدر الفكر على أن يجمع بين آيتين منهما ، ليتحقق عنده الفاضلة من المفضولة ، بل مهما أفرده بالكفر جزم بأنه النهاية. وعلى هذا التقدير يجرى جميع ما يرد من أمثاله ، والله أعلم.
(٢) قوله «إذا قروتهم رجلا رجلا» أى تتبعتهم. (ع)