الأخرى القابلة. وقيل : يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ، ويقع الفراغ في ليلة القدر ، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ، ونسخه الحروب إلى جبريل ، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت. وعن بعضهم : يعطى كل عامل بركات أعماله ، فيلقى على ألسنة الخلق مدحه ، وعلى قلوبهم هيبته. وقرئ : (يُفْرَقُ) بالتشديد. و (يُفْرَقُ) كل على بنائه للفاعل ونصب كل ، والفارق : الله عزّ وجلّ ، وقرأ زيد بن على رضى الله عنه : نفرق ، بالنون ، كل أمر حكيم : كل شأن ذى حكمة ، أى : مفعول على ما تقتضيه الحكمة ، وهو من الإسناد المجازى ، لأنّ الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ، ووصف الأمر به مجاز (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) نصب على الاختصاص. جعل كل أمر جزلا فخما بأن وصفه بالحكيم ، ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال : أعنى بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا ، كائنا من لدنا ، وكما اقتضاء علمنا وتدبيرنا. ويجوز أن يراد به الأمر الذي هو ضد النهى ، ثم إما أن يوضع موضع فرقانا الذي هو مصدر يفرق ، لأنّ معنى الأمر والفرقان واحد ، من حيث أنه إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه. أو يكون حالا من أحد الضميرين في أنزلناه : إما من ضمير الفاعل ، أى : أنزلناه آمرين أمرا. أو من ضمير المفعول أى أنزلناه في حال كونه أمرا من عندنا بما يجب أن يفعل فإن قلت : (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) بم يتعلق؟ قلت : يجوز أن يكون بدلا من قوله (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) و (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) مفعولا له ، على معنى : إنا أنزلنا القرآن ، لأنّ من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم ، وأن يكون تعليلا ليفرق. أو لقوله (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) ورحمة : مفعولا به ، وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله تعالى (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) أى يفصل في هذه الليلة كل أمر. أو تصدر الأوامر من عندنا ، لأنّ من عادتنا أن نرسل رحمتنا. وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة ، وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا ، لأنّ الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع. والأصل : إنا كنا مرسلين رحمة منا ، فوضع الظاهر موضع الضمير إيذانا بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين ، وفي قراءة زيد بن على : أمر من عندنا ، على : هو أمر ، وهي تنصر انتصابه على الاختصاص. وقرأ الحسن : رحمة من ربك. على : تلك رحمة ، وهي تنصر انتصابها بأنها مفعول له (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وما بعده تحقيق لربوبيته ، وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه. وقرئ : رب السماوات ... ربكم ورب آبائكم ، بالجر بدلا من ربك. فإن قلت : ما معنى الشرط الذي هو قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)؟ قلت : كانوا يقرون بأن للسماوات والأرض ربا وخالقا ، فقيل لهم : إنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب ، ثم قيل : إن هذا