جواب الشرط محذوف تقديره : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين. ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) والشاهد من بنى إسرائيل : عبد الله بن سلام ، لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نظر إلى وجهه ، فعلم أنه ليس بوجه كذاب. وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر وقال له : إنى سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبىّ : ما أوّل أشراط الساعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمّه؟ فقال عليه الصلاة والسلام (١). أمّا أوّل أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب. وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت. وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه ، وإن سبق ماء المرأة نزعته. فقال : أشهد أنك رسول الله حقا ، ثم قال : يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت وإن علموا بإسلامى قبل أن تسألهم عنى بهتوني (٢) عندك. فجاءت اليهود فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أى رجل عبد الله فيكم؟ فقالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله ، فقالوا : شرنا وابن شرنا وانتقصوه ، قال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وأحذر. قال سعد بن أبى وقاص ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشى على وجه الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام (٣) ، وفيه نزل (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) (٤) الضمير للقرآن ، أى : على مثله في المعنى ، وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعانى القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك. ويدل عليه قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) ، (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) ، (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ويجوز أن يكون المعنى : إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد على نحو ذلك ، يعنى كونه من عند الله. فإن قلت : أخبرنى عن نظم هذا الكلام لأقف على معناه من جهة (٥) النظم. قلت : الواو الأولى عاطفة
__________________
(١) أخرجه البخاري من رواية حميد عن أنس ، وأتم منه».
(٢) قوله «بهتوني» أى : رموني بما ليس فىّ. (ع)
(٣) متفق عليه.
(٤) عند البخاري وشك في إدراجها. وروى الطبري من رواية محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام قال قال عبد الله بن سلام «فىّ نزلت هذه الآية. ثم روى عن الشعبي أنه أنكر ذلك لكون السورة مكية. كذا أخرجه ابن أبى شيبة عن الشعبي.
(٥) قال محمود : «إن قلت : أخبرنى عن نظم هذا الكلام لأقف عليه من جهة النظم ... الخ» قال أحمد : إنما لم يوجه المعطوف إلى جهة واحدة ، لأن التفصيل قد يكون عطف مجموع مفردات على مجموع مفردات كل منهما والآية من هذا النمط ، ومثلها قوله تعالى (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) وقوله (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الآية ، وقد تقدم تقرير ذلك في الآيتين فجدد به عهدا.