من يحيى العظام على طريق الإنكار لأن يكون ذلك مما يوصف الله تعالى بكونه قادرا عليه ، كان تعجيزا لله وتشبيها له بخلقه في أنهم غير موصوفين بالقدرة عليه. والرميم : اسم لما بلى من العظام غير صفة ، كالرمة والرفات ، فلا يقال : لم لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث؟ ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ، ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول : إن عظام الميتة نجسة لأنّ الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها. وأما أصحاب أبى حنيفة فهي عندهم طاهرة ، وكذلك الشعب والعصب ، ويزعمون أنّ الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت ، ويقولون : المراد بإحياء العظام في الآية ردّها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حىّ حساس (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يعلم كيف يخلق ، لا يتعاظمه شيء من خلق المنشآت والمعادات ومن أجناسها وأنواعها وجلائلها ودقائقها. ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر ، مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي تورى بها الأعراض وأكثرها من المرخ والعفار ، وفي أمثالهم : في كل شجر نار. واستمجد المرخ والعفار ، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان ، يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر ، على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن الله. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب (١). قالوا : ولذلك تتخذ منه كذينقات القصارين. قرئ : الأخضر ، على اللفظ. وقرئ : الخضراء ، على المعنى. ونحوه قوله تعالى (مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) من قدر على خلق السماوات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسى أقدر ، وفي معناه قوله تعالى (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) وقرئ : يقدر ، وقوله (أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) يحتمل معنيين : أن يخلق مثلهم في الصغر والقماءة (٢) بالإضافة إلى السماوات والأرض أو أن يعيدهم ، لأن المعاد مثل للمبتدإ وليس به (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) الكثير المخلوقات (الْعَلِيمُ) الكثير المعلومات. وقرئ : الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) إنما شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) إذا دعاه داعى حكمة إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) أن يكونه من غير توقف (فَيَكُونُ) فيحدث ، أى : فهو كائن موجود لا محالة. فإن قلت : ما حقيقة قوله (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)؟ قلت : هو مجاز من الكلام وتمثيل ، لأنه لا يمتنع عليه شيء من المكونات ، وأنه بمنزلة المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع. فإن قلت : فما وجه القراءتين في فيكون؟ قلت : أما الرفع فلأنها جملة من مبتدإ وخبر ، لأن تقديرها : فهو يكون ، معطوفة على مثلها ، وهي أمره أن يقول له كن. وأما النصب فللعطف على يقول ، والمعنى : أنه لا يجوز عليه شيء مما يجوز على الأجسام
__________________
(١) لم أجده.
(٢) قوله «والقماءة» الصغر والذلة. أفاده الصحاح. (ع)