وقيل للمخطئ : لاحن ، لأنه يعدل بالكلام عن الصواب.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ)(٣١)
(أَخْبارَكُمْ) ما يحكى عنكم وما يخبر به عن أعمالكم ، ليعلم حسنها من قبيحها ، لأن الخبر على حسب المخبر عنه : إن حسنا فحسن ، وإن قبيحا فقبيح ، وقرأ يعقوب : ونبلو ، بسكون الواو على معنى : ونحن نبلو أخباركم. وقرئ : وليبلونكم ويعلم ، ويبلو بالياء. وعن الفضيل : أنه كان إذا قرأها بكى وقال : اللهم لا تبلنا ، فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ)(٣٢)
(وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) التي عملوها في دينهم يرجون بها الثواب ، لأنها مع كفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم باطلة ، وهم قريظة والنضير. أو سيحبط أعمالهم التي عملوها ، والمكايد التي نصبوها في مشاقة الرسول ، أى : سيبطلها فلا يصلون منها إلى أغراضهم ، بل يستنصرون بها ولا يثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم. وقيل هم رؤساء قريش ، والمطعمون يوم بدر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(٣٣)
(وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) أى لا تحبطوا الطاعات بالكبائر (١) ، كقوله تعالى (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) إلى أن قال (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) وعن أبى العالية : كان أصحاب
__________________
ـ أى : لكي تفهموا دون غيركم ، فان اللحن يعرفه أرباب الألباب دون غيرهم. والألباب : العقول اه.
(١) قال محمود : «معناه : لا تحبطوا الطاعات بالكبائر ... الخ» قال أحمد : قاعدة أهل السنة مؤسسة على أن الكبائر ما دون الشرك لا تحبط حسنة مكتوبة ، لأن الله (لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) نعم يقولون : إن الحسنات يذهبن السيئات كما وعد به الكريم جل وعلا. وقاعدة المعتزلة موضوعة على أن كبيرة واحدة تحبط ما تقدمها من الحسنات ولو كانت مثل زيد البحر ، لأنهم يقطعون بخلود الفاسق في النار ، وسلب سمة الايمان عنه ، ومتى خلد في النار لم تنفع طاعاته ولا إيمانه ، فعلى هذا بنى الزمخشري كلامه وجلب الآثار التي في بعضها موافقة في الظاهر لمعتقده ، ولا كلام عليها جملة من غير تفصيل ، لأن القاعدة المتقدمة ثابتة قطعا بأدلة اقتضت ذلك يحاشى كل معتبر في الحل والعقد عن مخالفتها ، فمهما ورد من ظاهر يخالفها وجب رده إليها بوجه من التأويل ، فان كان نصا لا يقبل التأويل فالطريق في ذلك تحسين الظن بالمنقول عنه ، والتوريك بالغلط على النقلة ، على أن الأثر المذكور عن ابن عمر هو أولى بأن يدل ظاهره لأهل السنة فتأمله ، وأما محمل الآية عند أهل الحق فعلى أن النهى عن الإخلال بشرط من شروط العمل وبركن يقتضى بطلانه من أصله ، لا أنه يبطل بعد استجماعه شرائط الصحة والقبول.