في حكم النهى. أو منصوب لإضمار إن. ونحو قوله تعالى (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) : قوله تعالى (إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى). (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم ، أو حربته ، وحقيقته : أفردته من قريبه أو ماله ، من الوتر وهو الفرد ؛ فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر ، وهو من فصيح الكلام. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : «من فاتته صلاة العصر ، فكأنما وتر أهله وماله» (١) أى أفرد عنهما قتلا ونهبا.
(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(٣٨)
(يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) ثواب إيمانكم وتقواكم (وَلا يَسْئَلْكُمْ) أى ولا يسألكم جميعها ، إنما يقتصر منكم على ربع العشر ، ثم قال (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ) أى يجهدكم ويطلبه كله ، والإحفاء : المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء ، يقال : أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح. وأحفى شاربه : إذا استأصله (تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أى تضطغنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢) ، وتضيق صدوركم لذلك ، وأظهرتم كراهتكم ومقتكم لدين يذهب بأموالكم ، والضمير في (يُخْرِجْ) لله عز وجل ، أى يضغنكم بطلب أموالكم. أو للبخل ، لأنه سبب الاضطغان. وقرئ : نخرج. بالنون. ويخرج ، بالياء والتاء مع فتحهما ورفع أضغانكم (هؤُلاءِ) موصول بمعنى الذين صلته (تُدْعَوْنَ) أى أنتم الذين تدعون. أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون ، ثم استأنف وصفهم ، كأنهم قالوا : وما وصفنا؟ فقيل : تدعون (لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قيل : هي النفقة في الغزو. وقيل : الزكاة ، كأنه قيل : الدليل على أنه لو أحفاكم لبخلتم وكرهتم العطاء واضطغنتم أنكم تدعون إلى أداء ربع العشر ، فمنكم ناس يبخلون به ، ثم قال (وَمَنْ يَبْخَلْ) بالصدقة وأداء الفريضة. فلا يتعداه ضرر بخله ، وإنما (يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) يقال بخلت عليه وعنه ، وكذلك
__________________
(١) متفق عليه من حديث ابن عمر.
(٢) قوله «أى تضطغنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الصحاح : «الضغن» الحقد. وتضاغن القوم واضطغنوا : انطووا على الأحقاد. (ع)