التقبيل. قال لا أحب أن يقبل الرجل من الرجل وجهه ولا يده ولا شيئا من جسده. وقد رخص أبو يوسف في المعانقة. ومن حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التشدّد وهذا التعطف : فيتشدّدوا على من ليس على ملتهم ودينهم ويتحاموه ، ويعاشروا إخوتهم في الإسلام متعطفين بالبر والصلة. وكف الأذى ، والمعونة ، والاحتمال ، والأخلاق السجيحة (١). ووجه من قرأ : أشداء ، ورحماء ـ بالنصب ـ : أن ينصبهما على المدح ، أو على الحال بالمقدّر في (مَعَهُ) ، ويجعل (تَراهُمْ) الخبر (سِيماهُمْ) علامتهم. وقرئ سيماؤهم ، وفيها ثلاث لغات : هاتان. والسيمياء ، والمراد بها السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود ، وقوله تعالى (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يفسرها ، أى : من التأثير الذي يؤثره السجود ، وكان كل من العليين : علىّ بن الحسين زين العابدين ، وعلىّ بن عبد الله بن عباس أبى الأملاك ، يقال له : ذو الثفنات ، لأنّ كثرة سجودهما أحدثت في مواقعه منهما أشباه ثفنات (٢) البعير. وقرئ : من أثر السجود ، ومن آثار السجود ، وكذا عن سعيد ابن جبير : هي السمة في الوجه. فإن قلت : فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تعلبوا (٣) صوركم (٤)» وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه رأى رجلا قد أثر في وجهه السجود فقال : إن صورة وجهك أنفك ، فلا تعلب وجهك ، ولا تشن صورتك (٥). قلت : ذلك إذا اعتمد بجبهته على الأرض لتحدث فيه تلك السمة. وذلك رياء ونفاق يستعاذ بالله منه ، ونحن فيما حدث في جبهة السجاد الذي لا يسجد إلا خالصا لوجه الله تعالى. وعن بعض المتقدّمين : كنا نصلى فلا يرى بين أعيننا شيء ، ونرى أحدنا الآن يصلى فيرى بين عينيه ركبة البعير ، فما ندرى أثقلت الأرؤس أم خشنت الأرض وإنما أراد بذلك من تعمد ذلك للنفاق. وقيل : هو صفرة الوجه من خشية الله. وعن الضحاك : ليس بالندب (٦) في الوجوه ، ولكنه صفرة. وعن سعيد بن المسيب : ندى الطهور وتراب الأرض. وعن عطاء رحمه الله : استنارت وجوههم من طول
__________________
(١) قوله «والأخلاق السجبحة» أى السهلة. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قوله «ثفنات البعير» في الصحاح : هي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ. (ع)
(٣) قوله «لا تعلبوا صوركم» في الصحاح : علبته أعلبه ـ بالضم ـ : إذا وسمته أو خدشته ، أو أثرت فيه. (ع)
(٤) لم أجده مرفوعا وهو في الذي بعده موقوف.
(٥) أخرجه عبد الرزاق عن الثوري. عن الأعمش عن حبيب عن أبى الثعثاء. عن ابن عمر «أنه رأى رجلا ينتحز إذا سجد فقال : لا تقلب صورتك» يقول لا تؤثرها. قلت : ما تقلب صورتك؟ قال : لا تغير لا تشن» ورواه إبراهيم الحربي من رواية أبى معاوية عن الأعمش عن حبيب عن عطاء عن عمر «أنه رأى رجلا قد أثر السجود بوجهه فقال : لا تقلب صورتك. ثم قال : قلبت الشيء إذا أثرت فيه.
(٦) قوله «ليس بالندب في الوجوه» في الصحاح «الندب» : أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. (ع)