(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)(٦٠)
الذنوب : الدلو العظيمة ، وهذا تمثيل ، أصله في السقاة يتقسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب. قال :
لنا ذنوب ولكم ذنوب |
|
فإن أبيتم فلنا القليب (١) |
ولما قال عمرو بن شاس :
وفي كل حى قد خبطت بنعمة |
|
فحقّ لشاس من نداك ذنوب (٢) |
قال الملك : نعم وأذنبه. والمعنى : فإنّ الذين ظلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب من أهل مكة لهم نصيب من عذاب الله مثل نصيب أصحابهم ونظرائهم من القرون. وعن قتادة : سجلا من عذاب الله مثل سجل أصحابهم (مِنْ يَوْمِهِمُ) من يوم القيامة. وقيل : من يوم بدر. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا (٣).
__________________
(١) إنا إذا شاربنا شريب |
|
له ذنوب ولنا ذنوب |
فان أبى كان له القليب |
الشريب من يشرب معك. والذنوب : الدلو الممتلئة ماء ، والنصيب من الماء. والذنابة : مسيل الماء. والقلب البئر لقلب ترابه. يقول : إنا كرام نشاطر شريبنا ، فان لم يرض بالمناوبة أعطيناه الجميع. وروى بدل المصراعين
الأخيرين : لنا ذنوب ولكم ذنوب |
|
فان أبيتم فلنا القليب |
ولعل الصواب : فان أبى أو فان أبيتم فلنا ، لئلا ينكر البيت. والمعنى : نقول لمن يشرب معنا ذلك ، ففيه دلالة على الشجاعة والغلبة. والشريب كالعشير : يطلق على الواحد والمتعدد.
(٢) وأفت الذي آثاره في عدوه |
|
من البؤس والنعمى لهن ندوب |
وفي كل حى قد خبطت بنعمة |
|
فحق لشاس من نداك ذنوب |
لشاس أخى علقمة بن عبيدة ، يخاطب الحرث بن أبى شمر الغساني وكان أسيرا عنده. والندوب ـ في الأصل ـ : آثار الجراح بعد برئها. ومن بيانية ، أى : آثاره التي هي البؤس والنعمى. أو ابتدائية ، أى : الناشئة منهما ، لهن بقايا في عدوه. والبؤس : الشدة ، والنعمى : الرخاء. والخابط : الذي يخبط مواضع الفقراء يتفقد أحوالهم من غير تخصيص ، ثم قيل لكل طالب : خابط ومختبط. ويجوز أن يكون من قولهم : خبط الشجرة ، ليسقط ورقها للإبل والغنم فاستعار في نفسه الورق للأموال ، والخبط تخييل والمعنى أنه شجاع كريم ، بأسه أوهن الأعداء ونعمته ظهرت عليهم بل على جميع الناس وشاس من وضع الظاهر موضع المضمر لإظهار المسكنة والاستعطاف : قيل : إن القائل عمرو بن شاس ، فوضع الظاهر في موضعه. ولما سمع الحرث ذلك قال : نعم وأذنبته ، وكسا شاسا ومن معه ، وأركبهم وأطلقهم ، ولما استعار الندى للعطاء رشح ذلك بالذنوب : وهو الدلو الممتلئة.
(٣) أخرجه الثعلبي وابن مردويه والواحدي من حديث أبى بن كعب رضى الله عنه.