قريش هذه الليلة ، فإنى أخاف على ابني دعوة محمد ، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم ، وأحدقوا بعتبة ، فجاء الأسد يتشمم وجوههم ، حتى ضرب عتبة فقتله (١). وقال حسان :
من يرجع العام إلى أهله |
|
فما أكيل السّبع بالرّاجع (٢) |
(ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم : والخطاب لقريش ، وهو جواب القسم ، والضلال : نقيض الهدى ، والغى نقيض الرشد ، أى : هو مهتد راشد وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغى ، وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه ، وإنما هو وحى من عند الله يوحى إليه. ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء ، ويجاب بأنّ الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد ، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحيا لا نطقا عن الهوى (شَدِيدُ الْقُوى) ملك شديد قواه ، والإضافة غير حقيقية ، لأنها إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها ، وهو جبريل عليه السلام ، ومن قوّته أنه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود ، وحملها على جناحه ، ورفعها إلى السماء ثم قلبها ، وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين ، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده في أوحى من رجعة الطرف (٣) ، ورأى إبليس يكلم عيسى عليه السلام على
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق ابن إسحاق عن عثمان بن عروة عن أبيه فذكر مثله. إلا أنه قال «فضربه الأسد بذنبه ضربة واحدة فمات مكانه» ورواه البيهقي في الدلائل والطبراني من طريق سعيد عن قتادة مطولا نحوه. لكن قال عنبسة : ورواه الحاكم والبيهقي في الدلائل أيضا. من رواية أبى نوفل بن أبى عقرب عن أبيه. قال «كان لهب بن أبى لهب» فذكره مختصرا. وقال البيهقي : هكذا قال عباس بن الفضل الأزرق. وليس بالقوى. وأهل المغازي يقولونه عتبة أو عتيبة.
(٢) لا يرفع الرحمن مصروعكم |
|
ولا يوهن قوة الصارع |
وكان فيه لكم عبرة |
|
السيد المتبوع والتابع |
من يرجع العلم إلى أهله |
|
فما أكيل السبع بالراجع |
من عاد فالليث له عائد |
|
أعظم به من خبر شائع |
لحسان بن ثابت. روى عن عروة بن الزبير أن عتبة بن أبى لهب كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب إليه وقال : إنه كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى ثم تفل في وجهه وطلق ابنته وخرج إلى الشام فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ، فبينما هم يحرسونه ذات ليلة في سفر ، إذ جاء أسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله ، فقال حسان ذلك ، والفعلان مجزومان بلا الدعائية. ويوهن بالتشديد ، والمعنى الدعاء على القتيل والدعاء للقاتل. والمصروع : المطروح. والعبرة : الاعتبار أو ما يعتبر به. والتابع عطف على السيد. من يرجع في هذا العام إلى أهله فلن يوجب رجوع غيره ، لأن من أكله السبع لا يرجع فلا يتمن أهله رجوعه ، لاستحالته وسكون السبع لغة ، ثم قال : من عاد لمثل فعل عتبة فالأسد عائد له ، وأعظم به : صيغة تعجب ، من خبر : تمييز مقترن بمن ، شائع : ذائع منتشر.
(٣) قوله «في أوحى من رجعة الطرف» أى : أسرع من الوحى وهو السرعة ، يمد ويقصر ، كذا في الصحاح. وفيه أيضا : نفحت الناقة : ضربت برجلها ، ونفحه بالسيف : تناوله. (ع)