(أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى)(٢٣)
(اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ) أصنام كانت لهم ، وهي مؤنثات ، فاللات كانت لثقيف بالطائف. وقيل : كانت بنخلة تعبدها قريش ، وهي فعلة من لوى ، لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة. أو يلتوون عليها (١) : أى يطوفون. وقرئ : اللات ، بالتشديد. وزعموا أنه سمى برجل كان يلت عنده السمن بالزيت ويطعمه الحاج. وعن مجاهد : كان رجل يلت السويق بالطائف ، وكانوا يعكفون على قبره ، فجعلوه وثنا ، والعزى كانت لغطفان وهي سمرة ، وأصلها تأنيث الأعز ، وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها ، واضعة يدها على رأسها ، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول :
يا عزّ كفرانك لا سبحانك |
|
إنى رأيت الله قد أهانك (٢) |
__________________
ـ لا مفعولا به ، ويكون المرئي محذوفا لتفخيم الأمر وتعظيمه ، كأنه قال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى أمورا عظاما لا يحيط بها الوصف ، والحذف في مثل هذا أبلغ وأهول ، وهذا ـ والله أعلم ـ أولى من الأول ، لأن فيه تفخيما لآيات الله الكبرى ، وأن فيها ما رآه وفيها ما لم يره ، وهو على الوجه الأول يكون مقتضاه أنه رأى جميع الآيات الكبرى على الشمول والعموم ، وفيه بعد ، فان آيات الله تعالى لا يحيط أحد علما بجملتها. فان قال : عام أريد به خاص ، فقد رجع إلى الوجه الذي ذكرناه والله أعلم.
(١) قال محمود : «اشتقاق اللات من لوى على كذا إذا قام عليه لأنهم كانوا ... الخ» قال أحمد : الأخرى تأنيث آخر ، ولا شك أنه في الأصل مشتق من التأخير الوجودي ، إلا أن العرب عدلت به عن الاستعمال في التأخير الوجودي إلى الاستعمال حيث يتقدم ذكر مغاير لا غير ، حتى سلبته دلالته على المعنى الأصلى ، بخلاف آخر وآخرة ، على وزن فاعل وفاعلة ، فان إشعارهما بالتأخير الوجودي ثابت لم يغير. ومن ثم عدلوا عن أن يقولوا : ربيع الآخر ، على وزن الأفعل ، وجمادى الأخرى : إلى ربيع الآخر ، على وزن فاعل ، وجمادى الآخرة على وزن فاعلة ، لأنهم أرادوا أن يفهموا التأخير الوجودي ، لأن الأفعل والفعلى من هذا الاشتقاق مسلوب الدلالة على غرضهم ، فعدلوا عنها إلى الآخر والآخرة ، والتزموا ذلك فيهما. وهذا البحث مما كان الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى قد حرره آخر مدته ، وهو الحق إن شاء الله تعالى ، وحينئذ يكون المراد الاشعار بتقدم مغاير في الذكر ، مع ما نعتقده في الوفاء بفاصلة رأس الآية ، والله أعلم.
(٢) لخالد بن الوليد رضى الله عنه. وعز : مرخم عزى. وترخيمه شاذ ، لأنه ليس رباعيا ولا مؤنثا بالهاء ، وهي شجرة كانت نعبدها الجاهلية ، فضربها بسيقه فخرجت منها جنية صارخة ، فقال لها ذلك البهت. وقيل : ضربها